انتصاره وقد سره أن يولي العجاج مدحورا مقهورا، وأن يسري خبر ما صنع واخترع في أسواق البصرة كلها سريان الكهرباء، وأجوز مشهد النمر بن تولب الأعرابي الغريب الزي، وأقف بالقارئ على مشهد آخر يبعث العبرة، ويهيج من النفس مكامن الثورة فيها والمقت للسياسة, وما تجره من ويلات:

أوقع الخليفة أبو جعفر المنصور بالخراسانية إذ قتل يعسوبها أبا مسلم، وخلص من عمه الذي ناوأه، وبقي عليه أن يستأصل شأفة العلويين الذين لهم في النفوس المكانة البعيدة والتجلَّة والاحترام، فشدد عليهم وقيدهم وحبس منهم وقتل.

ونحن الذين رأينا بالمربد، صورة من كل ما يجري فيه حينئذ من دين وأدب، ومعرضا لعادات اجتماعية وأساليب تجارية، سنرى فيه أيضا صدى لما يتردد في أمصار الإسلام إذ ذاك من شدة على العلويين وتضييق وأخذ بالخناق.

في مربد البصرة سليمان بن علي من رءوس بني العباس الذين أوقعوا بالعلويين، وحوله جماعة من أشراف الناس. فإنه لجالس مجلسه، وإذ بكبير العلويين إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب, شيخ عليه أمارات الحزن والمهابة والوقار معا، وإلى جنبه المفضل الضبي، ويمشي مع الشيخ صبيان من ولده قد ضمتهم إليه.

لمح إبراهيم مكان سليمان بن علي فوقف على رأسه وأمامه أطفاله، وقال بصوت متهدج تخنقه العبرة وأشار إلى سليمان:

"هؤلاء منا ونحن منهم، إلا أنهم فعلوا بنا وصنعوا ... "وذكر كلاما يعتد عليهم فيه بالإساءة" ... " قال هذا, فتحركت الرحمة في نفوس السامعين جميعا لما آل إليه أمر بني علي، وحدثتهم أنفسهم بشيء على بني العباس وقسوتهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015