إلا أن الله أراد أن يرحمهم، فساق الفرزدق يوما إلى المربد، فلقي رجلا يقال له: حِمام من موالي باهلة، ومعه نِحْيٌ من سمن يبيعه.
فسامه الفرزدق إياه, فقال له: "أدفعه إليك, وتهب لي أعراض قومي! " فقبل وقال: يهب له أعراض قومه ويهجو إبليس:
ألا بشرا من كان لا يملك استه ... ومن قومه بالليل غير نيام
يخافون مني أن يصك أنوفهم ... وأقفاءهم إحدى بنات صمام1
لعمري لنعم النحي كان لقومه ... عشية عبّ البيع نحي حمام2
أطعتك يا إبليس سبعين حجة ... فلما انتهى شيبي وتم تمامي
فررت إلى ربي وأيقنت أنني ... ملاق لأيام المنون حمامي
ألا طالما قد بت يوضع ناقتي ... أبو الجن إبليس بغير خطام
يظل يمنّيني على الرحل واركا3 ... يكون ورائي مرة وأمامي ...
وما أنت يا إبليس بالمرء أبتغي ... رضاه ولا يقتادني بزمام
سأجزيك من سوءات ما كنت سقتني ... إليه جروحا فيك ذات كلام4
وإن ابن إبليس وإبليس ألبنا ... لهم بعذاب الناس كل غلام5
هما تفلا في فيّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشد رجام6