الإسلامية، وفتوح العرب وانقراض فارس وانكماش الروم. أهاب الداعي بأصحابه "وقد مات أكثرهم" فهب أبناؤهم متحفزين لنصرته حتى خافت القوة الحاكمة وأذعن والي المدينة، ورُد الحق إلى صاحبه. ولقد بلغ من شرفه واقتعاده تلك المكانة في نفوس الناس أن استشرف خليفة عظيم كعبد الملك بن مروان ليعده الناس ممن دخل فيه، فلما لم يظفر بذلك ندّت منة حسرة غير خفية.

كان يهبط مكة من همل الأعراب وسذاجهم، وضعفاء المتكسبين وأرباب السلع أخلاط كثيرة، وهم لا ناصر لهم يحميهم ولا منعة فيهم، يؤمون أسواق مكة موقنين بأن أمن الحرم يسعهم جميعا. فلم يكونوا يتوقعون أن أحدا تحدثه نفسه بتكدير صفائه, لكن الواقع انكشف عن أنه لم تكن مكة لتخلو من أناس بطرين، يستهينون بالضعيف ولا يعفّون عن هضمه وسلبه. وكان يحدث حينئذ ما يحدث دائما في كل زمان، من استغلال السذاجة في هؤلاء الغرباء: تارة بغبنهم في الثمن وتارة بمطلهم بالديون, وآونة بغشهم وأخرى بالاستهتار بهم. وكانت تنشر هذه الحوادث حتى تصل إلى أسماع أشراف مكة فينكروها في أنفسهم. إلا أنها -في الظاهر- تعددت حتى لم يعد يصح السكوت عليها، وحتى خشي على البلد أن يفشو له ذكر سيئ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015