"أن السبب في هاتين الرحلتين هو أن قريشا إذا أصاب واحدا منهم مخمصة، خرج وعياله إلى موضع، وضربوا على أنفسهم خباء حتى يموتوا، إلى أن جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه وكان له ابن يقال له: أسد، وكان له تِرْب من بني مخزوم يحبه ويلعب معه، فشكا إليه الضر والمجاعة. فدخل أسد على أمه يبكي، فأرسلت إلى أولئك بدقيق وشحم فعاشوا فيه أياما. ثم أتى ترب أسدا مرة أخرى وشكا إليه الجوع. فقام هاشم خطيبا في قريش فقال:

"إنكم أجدبتم جدبا تقلون فيه وتذلون, وأنتم أهل حرم الله وأشراف ولد آدم، والناس لكم تبع" قالوا: "نحن تبع لك, فليس عليك منا خلاف".

فجمع هاشم كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن, وفي الصيف إلى الشام للتجارات، فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم. فجاء الإسلام وهم على ذلك، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالا ولا أعز من قريش. وهذا معنى قول شاعرهم فيهم:

والخالطون فقيرهم بغنيهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي"1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015