الْأُجْرَةَ) كَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ حَبْسَ الْمَبِيعِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ وَنَحْوَهَا عَيْنٌ وَقَيَّدَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بِالْقِصَارَةِ، وَإِلَّا فَلَا حَبْسَ فَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ كَمَا لَوْ عَمِلَ الْمُفْلِسُ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ ضَارَبَ الْأَجِيرُ بِأُجْرَتِهِ وَإِلَّا طَالَبَهُ بِهَا
(فَرْعٌ وَإِنْ صَبَغَ) الْمُفْلِسُ (الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ وَلَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ عَلَى قِيمَتِهِ بِدُونِهَا بِأَنْ نَقَصَتْ عَنْهَا أَوْ سَاوَتْهَا (وَرَجَعَ الْبَائِعُ) فِيهِ (فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ) كَمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ زَادَتْ) قِيمَتُهُ عَلَى تِلْكَ (وَوَفَتْ بِالْقِيمَتَيْنِ) كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةً وَقِيمَةُ الصَّبْغِ دِرْهَمَيْنِ فَصَارَتْ بَعْدَ الصَّبْغِ سِتَّةً (أَخَذَ كُلٌّ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (حَقَّهُ) فَكُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصَّبْغِ لِلْمُفْلِسِ كَمَا لَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَخَلْطِ الزَّيْتِ وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ لَمْ تَفِ) قِيمَتُهُ بِالْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ فِي مِثَالِنَا خَمْسَةً (فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ) ؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فِي الثَّوْبِ، وَالثَّوْبُ قَائِمٌ بِحَالِهِ (وَإِنْ زَادَتْ) قِيمَتُهُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً (فَالزِّيَادَةُ وَالصَّبْغُ لِلْمُفْلِسِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّنْعَةَ عَيْنٌ فَيُجْعَلُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الثَّوْبِ وَبَذْلُ مَا لِلْمُفْلِسِ مِنْ قِيمَةِ الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ) وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْفَصْلِ كَمَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ: إنَّهُ شَرِيكٌ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُفْلِسِ تُبَاعُ إمَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ.
(فَإِنْ اشْتَرَى الصَّبْغَ مِنْ بَائِعِ الثَّوْبِ أَوْ مِنْ آخَرَ أَوْ كَانَ الثَّوْبُ لِلْمُفْلِسِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الثَّوْبِ) مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَتِهِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةً فَصَارَتْ بَعْدَ الصَّبْغِ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً (فَالصَّبْغُ مَفْقُودٌ يُضَارِبُ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ (صَاحِبُهُ) وَصَاحِبُ الثَّوْبِ وَاجِدٌ لَهُ فَيَأْخُذُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ زَادَتْ) قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى تِلْكَ (وَلَمْ تَفِ بِقِيمَتِهِمَا) كَأَنْ صَارَتْ خَمْسَةً (فَالصَّبْغُ نَاقِصٌ فَإِنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ) بَائِعُهُ (وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ زَادَتْ) قِيمَتُهُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ ثَمَانِيَةً (فَالزِّيَادَةُ) وَهِيَ فِي الْمِثَالِ دِرْهَمَانِ (لِلْمُفْلِسِ، وَيَجُوزُ لَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ قَلْعُ الصَّبْغِ إنْ اتَّفَقُوا) عَلَيْهِ (وَيَغْرَمُونَ نَقْصَ الثَّوْبِ) كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ (وَكَذَا) يَجُوزُ (لِصَاحِبِ الصَّبْغِ) الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُفْلِسُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الثَّوْبِ (قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ نَقْصَ الثَّوْبِ أَيْضًا) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.
وَكَذَا يَجُوزُ قَلْعُهُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الصَّبْغِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُونَ مِنْهُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي الْأُولَى، وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخِيرَتَانِ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصَّار) لِلثَّوْبِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ عَلَى قَصْرِهِ مُشْتَرِيهِ (يُضَارِبُ) بِأُجْرَتِهِ تَارَةً وَ (بِمَا نَقَصَ) مِنْهَا أُخْرَى كَمَا سَيَأْتِي وَكَالْقَصَّارِ الصَّبَّاغُ وَنَحْوُهُ (مِثَالُهُ ثَوْبٌ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، وَقِيمَةُ) أَيْ أُجْرَةُ (صَبْغِهِ) بِفَتْحِ الصَّادِ (أَوْ قِصَارَتِهِ دِرْهَمٌ فَقُوِّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ عَشَرَةٌ وَلِلصَّبْغِ أَوْ الْقِصَارَةِ دِرْهَمٌ وَأَرْبَعَةٌ لِلْمُفْلِسِ) هَذَا إنْ فَسَخَ الصَّبَّاغُ أَوْ الْقَصَّارُ، وَإِلَّا ضَارَبَ بِدِرْهَمٍ (فَلَوْ كَانَتْ الْقِصَارَةُ) مَثَلًا أَيْ أُجْرَتُهَا (خَمْسَةً وَسَاوَى) الثَّوْبَ (مَقْصُورًا أَحَدَ عَشْرَةَ فَإِنْ فَسَخَ الْأَجِيرُ) الْإِجَارَةَ (فَلِلْبَائِعِ عَشَرَةٌ وَلِلْأَجِيرِ دِرْهَمٌ، وَيُضَارِبُ بِأَرْبَعَةٍ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ (ضَارَبَ بِخَمْسَةٍ) كَمَا يُضَارِبُ بِهَا إذَا لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ بِالْقِصَارَةِ (وَالدِّرْهَمُ لِلْمُفْلِسِ) وَالْعَشَرَةُ لِلْبَائِعِ لَا يُقَالُ: قَضِيَّةُ كَوْنِ الْقِصَارَةِ عَيْنًا أَنَّ الزَّائِدَ بِهَا لِلْقَصَّارِ كَزِيَادَةِ الْمَبِيعِ الْمُتَّصِلَةِ وَأَنَّ النَّاقِصَ عَنْ الْأَجْرِ يَقْنَعُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ كَالصَّبْغِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا نَاقِصًا قَنَعَ بِهِ أَوْ ضَارَبَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْقِصَارَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَيْنًا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ وَالْأَخْذِ وَالرَّدِّ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ بَلْ صِفَةً تَابِعَةً لِلثَّوْبِ وَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْ الْغَاصِبَ شَرِيكًا لِلْمَالِكِ بِهَا كَمَا جَعَلْنَاهُ شَرِيكًا لَهُ إذَا صَبَغَهُ.
وَإِنَّمَا شُبِّهَتْ بِالْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِهَا مُتَقَوِّمَةٌ مُقَابَلَةٌ بِعِوَضٍ فَلَا تَضِيعُ عَلَى الْمُفْلِسِ كَالْأَعْيَانِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَجِيرِ فَلَيْسَتْ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ حَتَّى يُرْجَعَ إلَيْهَا بَلْ مَوْرِدُهَا الصَّنْعَةُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا فَجُعِلَ الْحَاصِلُ بِهَا لِاخْتِصَاصِهِ بِهَا مُتَعَلَّقَ حَقِّهِ كَالْمَرْهُونِ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ فَلَا يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَقْصُورِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ بِنَقْصِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَرْهُونِ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِحَقِّهِ، وَأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُضَارِبُ
قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُ إلَخْ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
(قَوْلُهُ فَكُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصَّبْغِ لِلْمُفْلِسِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ وَارْتَضَاهُ فِي الْمَطْلَبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ) لَوْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِارْتِفَاعِ سُوقِ الْمَبِيعِ، أَوْ الزِّيَادَةُ اخْتَصَّتْ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصَّارَ يُضَارِبُ بِأُجْرَتِهِ تَارَةً وَبِمَا نَقَصَ مِنْهَا أُخْرَى إلَخْ) لَوْ سَلَّمَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ أُجْرَتِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ صَاحِبُهُ كَانَ لِلْقَصَّارِ التَّقَدُّمُ بِأُجْرَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ قَالَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ: الْقِصَارَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَيْنًا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ) قَالَ الْقَمُولِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِصَارَةِ هُنَا تَصْفِيَةُ الثَّوْبِ بِالْغَسْلِ، وَأَمَّا الْقِصَارَةُ الَّتِي تَعْهَدُهَا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَهِيَ عَيْنٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ تُجْعَلُ فِي الثَّوْبِ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ