إنَّمَا تَرَكُوهَا هُنَا لِقَوْلِهِمْ فِي بَابِهَا: إنَّهَا كَالْأُضْحِيَّةِ.
(وَ) تُسَنُّ (التَّسْمِيَةُ) بِأَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الذَّبْحِ وَ) عِنْدَ (إرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ) إلَى صَيْدٍ (وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ) بِالسَّهْمِ (وَالْعَضِّ) مِنْ الْجَارِحَةِ أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُسَنُّ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَسُنَّ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ، وَخِلَافًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ التَّسْمِيَةُ لِآيَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ «إنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا؟ أَنَأْكُلُ مِنْهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ: اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ، وَأَمَّا قَوْله {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إذَا الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ بِحَمْلِ النَّهْيِ فِي الْآيَةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ.
وَأَمَّا نَحْوُ خَبَرِ أَبِي ثَعْلَبَةَ «فَمَا صِدْت بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ» فَأَجَابُوا عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ مِنْ زِيَادَتِهِ، لَكِنْ مَا بَعْدَ لَوْلَا يَصْلُحُ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا، فَلَوْ قَالَ، وَكَذَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ كَانَ أَوْلَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُولَ فِي التَّسْمِيَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصَ هَذَا اللَّفْظِ بَلْ لَوْ قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَانَ حَسَنًا، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فَإِنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ (وَتَرْكُهُمَا) أَيْ التَّسْمِيَةُ وَالصَّلَاةُ عِنْدَمَا ذَكَرَ (تَعَمُّدًا مَكْرُوهٌ) لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِمَا، وَذِكْرُ كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ) وَالصَّائِدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (بِاسْمِ مُحَمَّدٍ، وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) ، وَلَا بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِالْجَرِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (لِلتَّشْرِيكِ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ) بِاسْمِ مُحَمَّدٍ (فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَرَّمَ) ذَلِكَ وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى الْجَوَازَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (كَقَوْلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِرَفْعِ مُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ، وَلَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ إيهَامِهِ التَّشْرِيكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّحْوِيِّ، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ ذَلِكَ (وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ لِلْمَسِيحِ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَلَا) ذَبِيحَةُ (مُسْلِمٍ لِمُحَمَّدٍ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ لِلْكَعْبَةِ) أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سِوَى اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ إنْ ذَبَحَ لِذَلِكَ تَعْظِيمًا وَعِبَادَةً كَفَرَ كَمَا لَوْ سَجَدَ لَهُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَ أَعَمَّ وَأَخْصَرَ وَأَقْرَبَ إلَى كَلَامِ الْأَصْلِ.
(فَإِنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِلرُّسُلِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ رُسُلُ اللَّهِ جَازَ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَهْدَيْت لِلْحَرَمِ أَوْ لِلْكَعْبَةِ (وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ) إذَا ذُبِحَتْ (تَقَرُّبًا إلَى السُّلْطَانِ) أَوْ غَيْرِهِ عِنْدَ لِقَائِهِ لِمَا مَرَّ (فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِبْشَارَ بِقُدُومِهِ فَلَا بَأْسَ أَوْ لِيُرْضِيَ غَضْبَانًا جَازَ كَالذَّبْحِ لِلْوِلَادَةِ) أَيْ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الْغَضْبَانِ فِي صُورَتِهِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ لِلصَّنَمِ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ فَلَا بَأْسَ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ (فَإِنْ ذَبَحَ لِلْجِنِّ حَرُمَ إلَّا إنْ قَصَدَ) بِمَا ذَبَحَهُ (التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ لِيَكْفِيَهُ شَرَّهُمْ) فَلَا يَحْرُمُ
(وَيُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ وَ) سَائِرِ (مَا طَالَ عُنُقُهُ) كَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ (النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهِيَ الثُّغْرَةُ أَسْفَلَ الْعُنُقِ (بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ) لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْإِبِلِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ رُوحِهَا لِطُولِ عُنُقِهَا وَقَوْلُهُ وَمَا طَالَ عُنُقُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ (الْبَعِيرُ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثٍ) مِنْ قَوَائِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قِيَامًا عَلَى ثَلَاثٍ (مَعْقُولًا) فِي الرُّكْبَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ
قَوْلُهُ وَإِرْسَالُ السَّهْمِ) وَعِنْدَ نَصْبِ الْفَخِّ أَوْ الشَّبَكَةِ وَعِنْدَ صَيْدِ السَّمَكِ أَوْ الْجَرَادِ (قَوْلُهُ لِآيَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَخْ) وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» (قَوْلُهُ لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إلَخْ) وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ (قَوْلُهُ بَلْ لَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ كَانَ حَسَنًا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَكْمَلَ أَنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(قَوْلُهُ لِلتَّشْرِيكِ) إذْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تُجْعَلَ الذَّبَائِحُ بِاسْمِهِ وَأَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِاسْمِهِ وَأَنْ يَكُونَ السُّجُودُ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ مَخْلُوقٌ
(قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ) سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ
(