يُعَزَّرُ وَلَا يَغْرَمُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَدِّ كَمَا فِي تَكْرَارِ الرِّدَّةِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي الظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَإِفْسَادِ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَكَمَا فِي قَتْلِ مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ كَوَلَدِهِ وَعَبْدِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيِّ نَعَمْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ لِإِعْدَامِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ إيجَابِهَا بِقَتْلِ الْخَطَأِ فَلَمَّا بَقِيَ التَّعَمُّدُ خَالِيًا مِنْ الزَّاجِرِ أَوْجَبْنَا فِيهِ التَّعْزِيرَ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ} [النساء: 34] الْآيَةَ، وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَصْحِيحِهِ
وَيَحْصُلُ التَّعْزِيرُ (بِحَبْسٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ) بِكَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ كَنَفْيٍ أَوْ نَحْوِهَا كَكَشْفِ رَأْسٍ وَإِقَامَةٍ مِنْ مَجْلِسٍ (وَجَمْعٍ بَيْنَهَا) وَكُلُّ ذَلِكَ (بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ) أَيْ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ جِنْسًا وَقَدْرًا إفْرَادًا أَوْ جَمْعًا (فَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ التَّوْبِيخِ) إلَى غَيْرِهِ (إذَا كَانَ يَكْفِي) فَلَا يَرْقَى إلَى مَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا (بَلْ يُعَزَّرُ بِالْأَخَفِّ ثُمَّ الْأَخَفِّ) كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ حَلْقُ رَأْسِهِ لَا لِحْيَتِهِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَجُوزُ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ (فَلَوْ جُلِدَ) أَوْ حُبِسَ (لَمْ يَبْلُغْ بِتَعْزِيرِ حُرٍّ) بِالضَّرْبِ (أَرْبَعِينَ) وَبِالْحَبْسِ سَنَةً (وَلَا بِتَعْزِيرِ عَبْدٍ) بِالضَّرْبِ (عِشْرِينَ) وَبِالْحَبْسِ نِصْفَ سَنَةٍ لِخَبَرِ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْمَحْفُوظُ إرْسَالُهُ وَكَمَا يَجِبُ نَقْصُ الْحُكُومَةِ عَنْ الدِّيَةِ، وَالرَّضْخِ عَنْ السَّهْمِ فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ قَالَ الْقُونَوِيُّ وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ أَهْوَنُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى النَّسْخِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ
(فَصْلٌ) (لِلْأَبِ، وَالْأُمِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ زَجْرًا) لَهُمَا عَنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ (وَإِصْلَاحًا) لَهُمَا مِثْلُهُمَا السَّفِيهُ (وَلِلْمُعَلِّمِ) ذَلِكَ (بِإِذْنِ الْوَلِيِّ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَغَيْرُهُ عَنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ (وَلِلزَّوْجِ) ضَرْبُ زَوْجَتِهِ (لِنُشُوزِهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ (لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ لَكِنْ أَفْتَى ابْنُ الْبَزْرِيِّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ (وَلِلسَّيِّدِ) ضَرْبُ رَقِيقِهِ (لِحَقِّ نَفْسِهِ) كَمَا فِي الزَّوْجِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ سُلْطَتَهُ أَقْوَى (وَكَذَا لِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى لِمَا مَرَّ فِي الزِّنَا (وَيُسَمَّى الْكُلُّ تَعْزِيرًا) وَقِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى مَا عَدَا ضَرْبَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مِمَّا ذُكِرَ تَأْدِيبًا لَا تَعْزِيرًا (وَإِنْ لَمْ يُفِدْ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) أَيْ شَدِيدٍ مُؤْذٍ (تُرِكَ) ضَرْبُهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ مُهْلِكٌ وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ (وَلِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ) تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَاوِي شَدْقِهِ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ (وَكَذَا الْآدَمِيُّ) أَيْ لِحَقِّهِ وَلَوْ طَلَبَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ) يُعَزَّرُ مُوَافِقُ الْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ وَمَنْ هَنَّأَهُ بَعِيدٍ وَمَنْ سَمَّى زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا (قَوْلُهُ كَمَا فِي تَكَرُّرِ الرِّدَّةِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ) وَمَنْ شَهِدَ بِزِنًا ثُمَّ رَجَعَ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَعُزِّرَ لِشَهَادَةِ الزُّورِ.
(قَوْلُهُ: وَإِفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ) كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ مَا حَاصِلُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَاجْتَنِبْهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَعَمْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ إلَخْ) قَالَ وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَ التَّعْزِيرِ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إنْ كَانَتْ إتْلَافًا كَالْحَلْقِ وَالصَّيْدِ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ قَالَ وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ وَيُحَدُّ لِلزِّنَا وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمِهِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ اهـ
وَمِثْلُهُ الظِّهَارُ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ مَعَ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّعْزِيرِ هُوَ الْكَذِبُ وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ بِالْعَوْدِ وَقَوْلُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَ التَّعْزِيرِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: كَكَشْفِ رَأْسٍ) أَيْ وَنَفْيٍ أَوْ إعْرَاضٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ لَا لِحْيَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ حَلْقَهَا مُثْلَةٌ لَهُ وَيَشْتَدُّ تَعْيِيرُهُ بِذَلِكَ بَلْ قَدْ يُعَيَّرُ بِمَا ذُكِرَ أَوْلَادُهُ فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فَرْعُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ حَلْقِ لِحْيَةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ جَازَ كا (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ جُلِدَ أَوْ حُبِسَ لَمْ يَبْلُغْ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ التَّعْزِيرُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي حَقِّ الْعِبَادِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ أَوْ التَّعْزِيرِ لِوَفَاءِ الْحَقِّ الْمَالِيِّ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ ضُرِبَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّائِلِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ مَالًا وَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهِ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الضَّمَانِ بِالتَّعْزِيرِ لِوُجُودِ جِهَةٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَكَمَا يَجِبُ نَقْصُ الْحُكُومَةِ عَنْ الدِّيَةِ إلَخْ) وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ دُونَ جِنَايَةِ الْحُرِّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْقُونَوِيُّ وَحَمَلَهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ إلَخْ) أَيْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُجْلَدَ فَوْقَ عَشَرَةٍ إلَّا فِي حَدٍّ
[فَصْلٌ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ زَجْرًا لَهُمَا عَنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ]
(قَوْلُهُ: لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَشَبَهِهِمَا (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ أَفْتَى ابْنُ الْبَزْرِيِّ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَمُولِيُّ رَأَيْت فِيمَا عُلِّقَ عَنْ مَشَايِخِ عَصْرِنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَأْدِيبَ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ لِلتَّعْلِيمِ وَاعْتِيَادِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ) قَالَ فِي الْعُزَيْرِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَضْرِبُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ إقَامَةً لِصُورَةِ الْوَاجِبِ وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ ضَرَبَ نَحِيفًا ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا دُونَ الْجَانِي (قَوْلُهُ: لِإِعْرَاضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ إلَخْ) «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ