حَضَانَةُ الْمَرْأَةِ بِتَزَوُّجِهَا مِنْهُ.
(وَ) سَادِسُهَا (أَنْ تَكُونَ مُرْضِعَةً) لِلطِّفْلِ (إنْ اُحْتِيجَ) إلَى إرْضَاعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا لِعُسْرِ اسْتِئْجَارِ مُرْضِعَةٍ تَتْرُكُ مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْمَرْأَةِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَفِيهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا لَبَنَ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ، وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحَضَانَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ إذَا كَانَ رَضِيعًا، وَلَهَا لَبَنٌ؟ . فِيهِ وَجْهَانِ أَجَابَ أَكْثَرُهُمْ بِالِاشْتِرَاطِ وَمِنْ هُنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْمُرَادُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ لَبَنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ، وَامْتَنَعَتْ فَالْأَصَحُّ لَا حَضَانَةَ لَهَا. اهـ. وَلَا حَضَانَةَ لِذِي الْوَلَاءِ لِفَقْدِ الْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَظِنَّتَا الشَّفَقَةِ، وَلَا لِأَبْرَصَ وَأَجْذَمَ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الْعَلَائِيِّ، وَلَا لِأَعْمَى كَمَا أَفْتَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَمِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَاسْتَنْبَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنْ بَاشَرَ غَيْرَهُ وَهُوَ مُدَبِّرٌ أُمُورَهُ فَلَا مَنْعَ كَمَا فِي الْفَالِجِ وَذَهَبَ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَى حَضَانَتِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ الْحَاضِنَ تَعَاطِيهَا بِنَفْسِهِ بَلْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا، وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ اسْتِئْجَارِ أَعْمَى لِلْحِفْظِ أَجَارَةَ ذِمَّةٍ لَا إجَارَةَ عَيْنٍ وَمَا قَالَهُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي الْأَبْرَصِ وَالْأَجْذَمِ.
(فَرْعٌ) لَوْ (أَسْلَمَتْ) الْكَافِرَةُ (أَوْ أُعْتِقَتْ) الْأَمَةُ (أَوْ طَلُقَتْ) مَنْ سَقَطَ حَقُّهَا بِالنِّكَاحِ أَوْ أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ أَوْ رَشَدَتْ الْفَاسِقَةُ (وَلَوْ رَجْعِيًّا) أَوْ أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ أَوْ رَشَدَتْ الْفَاسِقَةُ (اسْتَحَقَّتْ الْحَضَانَةَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلِصَاحِبِ الْعِدَّةِ الْمَنْعُ مِنْ إدْخَالِهِ) أَيْ الْوَلَدِ بَيْتَهُ الَّذِي تَعْتَدُّ فِيهِ (لَكِنْ إذَا رَضِيَ بِهِ اسْتَحَقَّتْ بِخِلَافِ رِضَا الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ) بِذَلِكَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ ثَمَّ لِاسْتِحْقَاقِهِ التَّمَتُّعَ، وَاسْتِهْلَاكَ مَنَافِعِهَا فِيهِ، وَهُنَا لِلْمَسْكَنِ فَإِذَا أَذِنَ صَارَ مُعِيرًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ الْأَجْنَبِيُّ أَيْ الَّذِي لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ غَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَلَوْ غَابَتْ الْحَاضِنَةُ أَوْ امْتَنَعَتْ) مِنْ الْحَضَانَةِ (تَوَلَّاهَا مَنْ) يَسْتَحِقُّهَا (بَعْدَهَا) كَمَا لَوْ مَاتَتْ أَوْ جُنَّتْ لَا السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ، وَالْقَرِيبُ الْأَبْعَدُ أَشْفَقُ مِنْهُ بِخِلَافِ لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ أَوْ عَضَلَ حَيْثُ يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُمْكِنُهُ التَّزْوِيجُ فِي الْغَيْبَةِ، وَالتَّزْوِيجُ بِالْعَضْلِ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ فِي ثُبُوتِهِ وَثُبُوتِ الْكُفْءِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ نَابَ عَنْهُ السُّلْطَانُ اللَّائِقُ بِذَلِكَ، وَالْحَاضِنَةُ لَا يُمْكِنُهَا الْحَضَانَةُ فِي الْغَيْبَةِ، وَالْمَقْصُودُ بِهَا الْحِفْظُ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِمَّنْ بَعْدَهَا فَانْتَقَلَتْ إلَيْهِ.
(فَصْلٌ: الْمَحْضُونُ كُلُّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ) وَمُخْتَلٍّ وَقَلِيلِ التَّمْيِيزِ (وَتُسْتَدَامُ الْحَضَانَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَ سِنِي التَّدْبِيرِ) لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَزُلْ الْحَجْرُ عَنْهُ بِالشَّرْعِ كَانَ مُلْحَقًا بِالْأَطْفَالِ فِي الْحُكْمِ (لَا) عَلَى مَنْ بَلَغَ (فَاسِقًا مُصْلِحًا لِدُنْيَاهُ) فَلَا تُدَامُ عَلَيْهِ الْحَضَانَةُ بَلْ يَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ أَمْرِ نَفْسِهِ نَعَمْ إنْ خَشِيَ عَلَيْهِ الْوَلِيُّ فَسَادًا لَاحَظَهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ إدَامَةَ الْحَضَانَةِ عَلَيْهِ لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْعَارَ اللَّاحِقَ بِسَبَبِ سَفَهِ الدِّينِ أَشَدُّ، وَاعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِدَفْعِهِ أَتَمُّ فَالْمَنْعُ لَأَجْلِهِ مِنْ الِانْفِرَادِ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْمَنْعِ بِسَفَهِ الْمَالِ. انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت سَفَهُ الْمَالِ أَقْوَى لِإِعَادَةِ الْحَجْرِ بِهِ دُونَ سَفَهِ الدِّينِ قُلْت ذَاكَ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ، وَكَلَامُنَا هُنَا فِيمَا قَبْلَهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَمَّا مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا فَيَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى كَوْنِهِ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُمَا لِيَخْدُمَهُمَا وَيَبَرَّهُمَا.
(وَتَسْكُنُ الْبَالِغَةُ) الْعَاقِلَةُ غَيْرَ الْمُزَوَّجَةِ (حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَوْ بِكْرًا، وَالْأَوْلَى) لَهَا (بَيْتُ أَحَدِ أَبَوَيْهِمَا) إنْ كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ وَبَيْتُهُمَا إنْ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ أَيْ سُكْنَاهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي الثَّيِّبِ وَذَكَرَ فِي الْبِكْرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهَا مُفَارَقَةُ أَبَوَيْهَا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رِيبَةً (فَإِنْ كَانَتْ رِيبَةً فَلِلْأُمِّ إسْكَانُهَا مَعَهَا، وَكَذَا لِلْوَلِيِّ مِنْ الْعَصَبَةِ) إسْكَانُهَا مَعَهُ (إنْ كَانَ مَحْرَمًا) لَهَا (وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعٍ لَائِقٍ) بِهَا يُسْكِنُهَا (وَلَا يُلَاحِظُهَا دَفْعًا لِعَارِ النَّسَبِ) كَمَا يَمْنَعُهَا نِكَاحَ غَيْرِ الْكُفْءِ (وَتُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَمْرُ عِنْدَ الرِّيبَةِ مِثْلُهَا) فِيمَا ذُكِرَ (وَيَصْدُقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَيْ وَالْقُوزِيُّ وَالْبَارِزِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُرَادُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنْ تَكُونَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ فِي الْمُهِمَّاتِ) أَيْ تَبَعًا لِلْبَارِزِيِّ إلَى حَضَانَتِهِ وَبِهِ أَفْتَيْت (قَوْلُهُ: وَمَا قَالَهُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ) فِي غَرَائِبِ الشَّرْحَيْنِ لِلْأَصْبَحِيِّ أَنَّ الْعَمَى لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ فِي أَشْبَهِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ الْبَزْرِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا فَإِنْ كَانَتْ نَاهِضَةً لِحِفْظِ الصَّغِيرِ وَتَدْبِيرِهِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُ فَلَهَا الْحَضَانَةُ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُسْتَأْجَرَةَ، وَلَا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا إذَا عَتَقَتْ وَفِيهِمَا بَحْثٌ.
(قَوْلُهُ: اسْتَحَقَّتْ الْحَضَانَةُ فِي الْحَالِ) ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي تَوْبَةِ الْفَاسِقَةِ مُضِيُّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ
(قَوْلُهُ: قُلْت ذَاكَ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ إلَخْ) يُجَابُ بِأَنَّ التَّبْذِيرَ يَتَحَقَّقُ مَعَهُ إتْلَافُ الْمَالِ، وَالِانْفِرَادُ مَظِنَّتُهُ بِخِلَافِ الْفِسْقِ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ رِيبَةً فَلِلْأُمِّ إلَخْ) قَالَ النَّاشِرِيُّ سُئِلْت عَنْ مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي مَسْكَنِ الزَّوْجِ وَادَّعَى وَلِيُّهَا رِيبَةً وَرَامَ نَقْلَهَا فَلَمْ أُجِبْ بِشَيْءٍ ثُمَّ مِلْتُ إلَى أَنَّهَا لَا تُنْقَلُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَإِنْ صَدَّقْنَاهُ وَنَقَلْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَسُئِلْت عَنْ مُعْتِقٍ طَلَبَ الْإِسْكَانِ عِنْدَ ظُهُورِ رِيبَةٍ أَوْ دَعْوَاهُ إيَّاهَا فَمِلْت إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ أُفْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ بِهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى دَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ وَلِهَذَا خَصُّوهُ بِالْعَصَبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْخَالِ وَأَبِ الْأُمِّ وَنَحْوِهِمَا وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ لِلْأُمِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَدَّ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُنَاسِبْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِيهِ وَجْهَانِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْمُعْتِقَ هَلْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ قَالَ شَيْخُنَا فَإِنْ قُلْنَا نَعَمْ فَلْيَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِسْكَانِ، وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لِلْوَلِيِّ مِنْ الْعَصَبَةِ) خَرَجَ بِذَلِكَ أَبُو الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْمُعْتِقِ وَنَحْوِهِمْ.