الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ كَنَظَائِرِهِ (وَيَثْبُتُ) التَّحْرِيمُ (بِحُصُولِهِ) أَيْ اللَّبَنِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ (وَلَوْ تَقَيَّأَهُ) فِي الْحَالِ لِوُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ التَّغَذِّي (وَفِي الدِّمَاغِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّغَذِّي كَالْمَعِدَةِ إذْ الْأَدْهَانُ إذَا وَصَلَتْ إلَيْهِ انْتَشَرَتْ فِي الْعُرُوقِ وَتَغَذَّتْ بِهَا كَالْأَطْعِمَةِ الْوَاصِلَةِ إلَى الْمَعِدَةِ (وَلَوْ) حَصَلَ فِيهِمَا (بِجِرَاحَةٍ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ (وَلَا يَثْبُتُ) التَّحْرِيمُ (بِتَقْطِيرِهِ فِي أُذُنٍ وَدُبُرٍ، وَإِحْلِيلٍ) وَجِرَاحَةٍ لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَعِدَةِ وَالدِّمَاغِ (وَإِنْ أَفْطَرَ بِهِ) إذْ لَا مَنْفَذَ مِنْهَا إلَيْهِمَا مَا عَدَا الدُّبُرَ، وَأَمَّا الدُّبُرُ فَلِعَدَمِ التَّغَذِّي بِالتَّقْطِيرِ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَفْطَرَ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِ الْفِطْرِ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعِدَةٌ وَلَا دِمَاغٌ وَيُعْتَبَرُ حُصُولُهُ فِيهِمَا مِنْ مَنْفَذٍ فَلَا يَحْرُمُ حُصُولُهُ فِيهِمَا بِصَبِّهِ فِي الْعَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْمَسَامِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(فَصْلٌ: وَلَا أَثَرَ لِدُونِ خَمْسِ رَضَعَاتٍ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» أَيْ يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ أَوْ يَقْرَؤُهُنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِهِ، وَقُدِّمَ مَفْهُومُ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ أَيْضًا «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ (إلَّا إنْ حَكَمَ بِهِ) أَيْ التَّأْثِيرِ بِدُونِ الْخَمْسِ (حَاكِمٌ) يَرَاهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَّاتِهِنَّ حَتَّى لَوْ شَرِبَ بَعْضًا، وَأَسْعَطَ بَعْضًا وَنَحْوَ ذَلِكَ) كَإِيجَارٍ (حَرُمَ وَالْمُعْتَمَدُ فِي التَّعَدُّدِ الْعُرْفُ) إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ (فَإِنْ لَفَظَ) الْمُرْتَضِعُ (الثَّدْيَ) فِي أَثْنَاءِ الرَّضْعَةِ (لَتَحَوَّلَ) مِنْ ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ إلَى ثَدْيِهَا الْآخَرِ لِنَفَاذِ مَا فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ نَامَ أَوَّلَهَا) عَنْ الِارْتِضَاعِ فِي أَثْنَائِهِ (لَحْظَةً ثُمَّ عَادَ) إلَيْهِ حَالًا (وَكَذَا إنْ طَالَ) كُلٌّ مِنْ النَّوْمِ وَاللَّهْوِ (وَالثَّدْيِ فِي فَمِهِ أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ خَفِيفٍ ثُمَّ عَادَتْ) إلَى الْإِرْضَاعِ (فَوَاحِدَةٌ) لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّدْيُ فِي فَمِهِ، وَمَا إذَا قَطَعَتْهُ لِشُغْلٍ طَوِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ وَتَخْصِيصُ تَقْيِيدِ كَوْنِ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ بِحَالَةِ طُولِ اللَّهْوِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ (فَإِنْ قَطَعَهُ) الْمُرْتَضِعُ (إعْرَاضًا وَاشْتَغَلَ بِشَيْءٍ) آخَرَ (ثُمَّ عَادَ) وَارْتَضَعَ (أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ، وَأَطَالَتْهُ فَرَضْعَتَانِ) التَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْإِطَالَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ وَاشْتَغَلَ بِشَيْءٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً اُعْتُبِرَ التَّعَدُّدُ) فِيهِ (بِمِثْلِ هَذَا) فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ثُمَّ أَعْرَضَ وَاشْتَغَلَ بِشُغْلٍ طَوِيلٍ ثُمَّ عَادَ، وَأَكَلَ حَنِثَ وَلَوْ أَطَالَ الْأَكْلَ عَلَى الْمَائِدَةِ، وَكَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ وَيَتَحَدَّثُ فِي خِلَالِ الْأَكْلِ وَيَقُومُ وَيَأْتِي بِالْخُبْزِ عِنْدَ نَفَاذِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ أَكْلَةً وَاحِدَةً.
(فَرْعٌ) لَوْ (حَلَبَتْ لَبَنَهَا دَفْعَةً، وَأَوْجَرَتْهُ) الصَّبِيَّ (خَمْسًا أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ حَلَبَتْ لَبَنَهَا خَمْسَ دَفَعَاتٍ، وَأَوْجَرَتْهُ دَفْعَةً (فَرَضْعَةٌ) نَظَرًا إلَى انْفِصَالِهِ فِي الْأُولَى، وَإِيجَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ (وَإِنْ تَعَدَّدَا) أَيْ الِانْفِصَالُ وَالْإِيجَارُ (مَعًا وَلَمْ يُخْلَطْ فَخَمْسٌ، وَإِنْ خُلِطَا ثُمَّ فُرِّقَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُخْلَطْ) فَيُعَدُّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ (وَإِنْ خُلِطَ لَبَنُ خَمْسٍ) مِنْ النِّسْوَةِ (وَأَوْجَرَهُ خَمْسَ دَفَعَاتٍ) أَوْ دَفْعَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (رَضْعَةٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْأُبُوَّةُ إنْ كَانَ) لَبَنُهُنَّ (لَبَنَهُ. فَرْعٌ: إذَا شُكَّ فِي اسْتِكْمَالِ الْخَمْسِ أَوْ الْحَوْلَيْنِ أَوْ) فِي (وُصُولِهِ جَوْفَهُ) أَوْ فِي أَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ أَوْ فِي أَنَّهُ حُلِبَ فِي حَيَاتِهَا (فَلَا حُرْمَةَ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ (وَلْيُتَوَرَّعْ) فِي ذَلِكَ.
(فَصْلٌ: تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ، وَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَوْ (لَمْ تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ) كَعَكْسِهِ فِيمَا لَوْ دُرَّ لَبَنُ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَذَلِكَ (كَمَنْ ارْتَضَعَ مِنْ خَمْسِ مُسْتَوْلَدَاتٍ رَجُلٍ أَوْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ) مَوْطُوءَاتٍ (وَمُسْتَوْلَدَةٍ) لَهُ بِلَبَنِهِ (رَضْعَةً رَضْعَةً وَلَوْ مُتَوَالِيًا) فَيَصِيرُ وَلَدًا لِذِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْجَمِيعِ مِنْهُ، وَهُنَّ كَالظُّرُوفِ لَهُ، وَقَدْ تَعَدَّدَتْ الرَّضَعَاتُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَمْ تُرْضِعْهُ خَمْسًا (وَيَحْرُمْنَ) أَيْ الْخَمْسُ (عَلَى الطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوءَاتُ أَبِيهِ) وَبَعْضُهُنَّ فِي الثَّانِيَةِ زَوْجَاتُ أَبِيهِ، وَقَوْلُهُ رَضْعَةً وَلَوْ مُتَوَالِيًا مِنْ تَصَرُّفِهِ وَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ وَلَوْ دَفْعَةً كَانَ أَوْلَى لِيُوَافِقَ مَا قَدَّمْته عَنْ تَصْرِيحِ الْأَصْلِ قُبَيْلَ الْفَرْعِ (وَلَوْ أَرْضَعْنَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَهُ (وَلَا غُرْمَ عَلَى مُسْتَوْلَدَتِهِ) إذْ لَا يَثْبُتُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَمْلُوكِهِ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَاتُهُ الثَّلَاثُ، وَمُسْتَوْلَدَاتُهُ فَالْجَانِي الْأَخِيرَةُ) مِنْهُنَّ إنْ أَرْضَعَتْهَا مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ يَتَعَلَّقُ
قَوْلُهُ: فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ) قَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ أَنَّ النَّاسِخَ مِنْ السُّنَّةِ لَا أَنَّهُ قُرْآنٌ وَنُسِخَ أَيْضًا بِالسُّنَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ مَفْهُومَ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ إلَخْ) وَلِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ يُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ إذَا عَرَى عَنْ جِنْسِ الِاسْتِبَاحَةِ افْتَقَرَ إلَى الْعَدَدِ كَاللِّعَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرَ عَنْ جِنْسِ الِاسْتِبَاحَةِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْعَدَدِ كَالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَفَظَ الثَّدْيَ) (فَائِدَةٌ) الثَّدْيُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالتَّذْكِيرُ أَكْثَرُ وَيَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ لَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَهُ بِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ لَهَا لَحْظَةً ثُمَّ عَادَ) قَيَّدَ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَالرَّوْضَةِ الِاتِّحَادَ فِي مَسْأَلَةِ قَطْعِهِ لِلَّهْوِ بِبَقَاءِ الثَّدْيِ فِي فِيهِ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَاسْتَشْهَدَ بِنَصِّ الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ لَكِنْ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ، وَإِنْ بَانَ مِنْ فِيهِ رَضْعَتَانِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ الْأُمُومَةُ إلَخْ) ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْأُمُومَةَ قَدْ تَثْبُتُ دُونَ الْأُبُوَّةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ، وَلَوْ دُفْعَةً كَانَ أَوْلَى إلَخْ) لَوْ قَالَهُ لَمْ يَصِحَّ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْمَعِيَّةُ فِي ارْتِضَاعِهِ مِنْهُنَّ