بِلَبَنِ رَجُلٍ وَخُنْثَى حَتَّى يَتَّضِحَ) كَوْنُهُ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ أَثَرُ الْوِلَادَةِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى نَعَمْ يُكْرَهُ لَهُمَا نِكَاحُ مَنْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ النَّصِّ فِي لَبَنِ الرَّجُلِ (وَ) بِلَبَنِ (بَهِيمَةٍ) حَتَّى لَوْ شَرِبَ مِنْهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ صَلَاحِيَّةَ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ؛ وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ، وَمِنْهَا يَنْتَشِرُ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ.
(وَ) لَا (بِلَبَنٍ انْفَصَلَ عَنْ مَيِّتَةٍ كَمَا لَا تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ) أَيْ حُرْمَتُهَا (بِوَطْئِهَا) وَلِضَعْفِ حُرْمَتِهِ بِمَوْتِهَا؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ لَبَنُ الْحَيَّةِ إلَى جَوْفِ الْمَيِّتِ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ فَكَذَا إنْ انْفَصَلَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا (فَإِنْ انْفَصَلَ) مِنْهَا (وَهِيَ حَيَّةٌ) وَأُوجِرَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا (حَرُمَ) ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْهَا، وَهُوَ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ وَلَا تَحْرِيمَ بِلَبَنِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْوِلَادَةَ، وَاللَّبَنُ فَرْعُ الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَتْهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ، وَالسِّنِينَ هُنَا قَمَرِيَّةٌ تَقْرِيبِيَّةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: سِنَّ الْحَيْضِ.
(الرُّكْنُ الثَّانِي اللَّبَنُ وَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ) عَنْ هَيْئَتِهِ حَالَةَ انْفِصَالِهِ عَنْ الثَّدْيِ (كَالْجُبْنِ وَالزُّبْدِ أَوْ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ أَوْ خَالَطَهُ مَاءٌ أَوْ خَمْرٌ) أَوْ نَحْوُهُمَا (وَغَلَبَ) اللَّبَنُ عَلَى الْخَلِيطِ بِأَنْ ظَهَرَتْ إحْدَى صِفَاتِهِ الْآتِيَةِ لِوُصُولِ عَيْنِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ وَحُصُولِ التَّغَذِّي بِهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مَغْلُوبًا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مِنْ صِفَاتِهِ الثَّلَاثِ) الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ حِسًّا وَتَقْدِيرًا (شَيْءٌ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِذَلِكَ وَلَيْسَ كَالنَّجَاسَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا تُؤَثِّرُ فَإِنَّهَا تُجْتَنَبُ لِلِاسْتِقْذَارِ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالْكَثْرَةِ وَلَا كَالْخَمْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ فَإِنَّ الْحَدَّ مَنُوطٌ بِالشِّدَّةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ (لَكِنْ يُشْتَرَطُ) فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِذَلِكَ (شُرْبُ الْجَمِيعِ فَإِنْ شَرِبَ بَعْضَهُ مُتَحَقِّقًا أَنَّهُ وَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ) إلَى الْجَوْفِ كَأَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَخْلُوطِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ (حَرَّمَ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ اللَّبَنِ) الْمَخْلُوطِ (مِقْدَارَ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَثَّرَ) فِي التَّحْرِيمِ بِأَنْ يُمْكِنَ أَنْ يُسْقَى مِنْهُ خَمْسُ دَفَعَاتٍ (وَلَا يَضُرُّ) فِي التَّحْرِيمِ (غَلَبَةُ الرِّيقِ لِقَطْرَةِ اللَّبَنِ) الْمَوْضُوعَةِ فِي الْفَمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالرُّطُوبَاتِ فِي الْمَعِدَةِ. (فَرْعٌ: لَبَنُ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُخْتَلِطُ يُثْبِتُ أُمُومَتَهُمَا وَفِي الْمَغْلُوبِ) مِنْ اللَّبَنَيْنِ (التَّفْصِيلُ) السَّابِقُ فَتَثْبُتُ الْأُمُومَةُ لِغَالِبَةِ اللَّبَنِ، وَكَذَا لِمَغْلُوبَتِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ.
(الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَحَلُّ، وَهِيَ مَعِدَةُ) أَوْ دِمَاغُ (الطِّفْلِ الْحَيِّ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً سَوَاءٌ أَوَصَلَ إلَيْهِمَا اللَّبَنُ بِالِارْتِضَاعِ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْإِيجَارِ وَلَوْ نَائِمًا (لَا) الطِّفْلِ الْمَيِّتِ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّغَذِّي وَنَبَاتِ اللَّحْمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ (وَلَا ابْنِ حَوْلَيْنِ) لِخَبَرِ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، وَكَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِخَبَرِ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ جَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَهُمَا بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سَهْلٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَقَدْ نَزَلَ فِي التَّبَنِّي وَالْحِجَابِ مَا قَدْ عَلِمْت فَمَاذَا تَأْمُرُنِي فَقَالَ أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ عَلَيْك فَفَعَلْت فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا» فَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِسَالِمٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلَانِ (بِالْأَهِلَّةِ مِنْ تَمَامِ الِانْفِصَالِ) لِلْوَلَدِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ (فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَوَجْهَانِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُشْبِهُ تَرْجِيحَ التَّأْثِيرِ لِوُجُودِ الرَّضَاعِ حَقِيقَةً، وَهُوَ قِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ فِيمَنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ فَخُرْجَانُ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ حَيٌّ مِنْ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ، وَعَلَيْهِ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينَ ارْتَضَعَ. انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ ارْتِكَابِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ إذْ الْمَحْكِيُّ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ وَانْتِهَاؤُهُ وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْحَزِّ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ نَظَائِرِهَا فَلَا اضْطِرَابَ فِيهِمَا اسْتِصْحَابًا لِلضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ (وَيُتَمَّمُ الْمُنْكَسِرُ) مِنْ الْأَهِلَّةِ (ثَلَاثِينَ) مِنْ الشَّهْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ) قَالَ شَيْخُنَا مَعْنَى كَوْنِهِ حَلَالًا مُحْتَرَمًا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ، وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ أَيْضًا، وَإِنْ انْفَصَلَ مِنْ مَيِّتَةٍ (قَوْلُهُ: فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ) ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبَّرَ بِاحْتِمَالِ الْبُلُوغِ لِاقْتِضَاءِ الْوِلَادَةِ تَقَدُّمَ الْحَمْلِ، وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَالسِّنِينَ هُنَا قَمَرِيَّةٌ تَقْرِيبِيَّةٌ إلَخْ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَبَحَثَهُ الْبَارِزِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ كَثِيرِينَ لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ التِّسْعَ هُنَا تَحْدِيدِيَّةٌ.
اللَّبَنُ (مِنْ أَرْكَانِ الرَّضَاعِ) (قَوْلُهُ: الرُّكْنُ الثَّانِي اللَّبَنُ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَذْكُرُوا فِي الْجُبْنِ وَنَحْوِهِ الْقَدْرَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا لَوْ كَانَ لَبَنًا أَمْكَنَ أَنْ يَرْتَضِعَ مِنْهُ خَمْسَةَ رَضَعَاتٍ، وَأَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ مَوْجُودًا فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الِانْتِهَاءِ، وَلَا يَضُرُّ فِي أَكْلِهِ الشِّبَعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَأْكُولِ، وَالْمُعْتَبَرُ مَا ذَكَرَهُ فِي اللَّبَنِ، وَلَوْ امْتَصَّ مِنْ ثَدْيِهَا دَمًا أَوْ قَيْحًا فَلَا تَحْرِيمَ صَرَّحَ بِهِ فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ امْتَصَّ مَاءً فَفِي الْإِيضَاحِ أَنْ قَالَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ هُوَ لَبَنٌ رَقَّ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ، وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا ابْنُ حَوْلَيْنِ) لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي الرَّضْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا لَمْ تَتِمَّ لَهُ الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ سَنَتَيْنِ لَمْ يَحْرُمْ لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرُمَ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ تَمَامِ الِانْفِصَالِ إلَخْ) هَذَا مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِهِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ) لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ أَنْ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْعِدَدِ: إنَّ أَحْكَامَ الْجَنِينِ بَاقِيَةٌ لِلْمُنْفَصِلِ بَعْضُهُ كَمَنْعِ الْإِرْثِ وَسِرَايَةِ عِتْقِ الْأُمِّ إلَيْهِ وَعَدَمِ إجْزَائِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَوُجُوبِ الْغُرَّةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأُمِّ وَتَبَعِيَّتِهَا فِي الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ كَالْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.