(فِي مَوَاتٍ، أَوْ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الْعُمْرَانِ فَالْقَنْطَرَةُ) أَيْ بِنَاؤُهَا فِيهِ (كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الشَّارِعِ) فَيَجُوزُ مُطْلَقًا إنْ كَانَ الْعُمْرَانُ وَاسِعًا وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ ضَيِّقًا (وَالرَّحَى يَجُوزُ بِنَاؤُهَا) فِيهِ أَيْضًا (إنْ لَمْ تَضُرَّ بِالْمُلَّاكِ) وَإِلَّا فَلَا كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي الشَّارِعِ فِيهِمَا.

[فَصْلٌ حُكْمِ مَاءِ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي الْمَمْلُوكَةِ]

(فَصْلٌ) فِي حُكْمِ مَاءِ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي الْمَمْلُوكَةِ (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْوَادِي مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْمَاءِ مَا دَامَ فِيهِ) فِي تَعْبِيرِهِ بِالْأَخْذِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ بِأَخْذِهِ يَمْلِكُهُ، وَالْمُرَادُ مَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يَحْفِرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ (وَلِغَيْرِهِ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِعْمَالُ مِنْهُ وَلَوْ بِدَلْوٍ وَمَنْ حَفَرَ نَهْرًا فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ نَهْرِهِ فَإِنْ كَانَ (يُضَيِّقُ عَلَيْهِ مُنِعَ) وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ حَفَرَ النَّهْرَ جَمَاعَةٌ اشْتَرَكُوا فِيهِ) أَيْ فِي مِلْكِهِ (بِقَدْرٍ عَمَلِهِمْ) وَفِي نُسْخَةٍ أَعْمَالِهِمْ (فَإِنْ شَرَطُوهَا) أَيْ شَرِكَةَ النَّهْرِ بَيْنَهُمْ (عَلَى) قَدْرِ (مِلْكِهِمْ) مِنْ الْأَرْضِ (فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ كَذَلِكَ) أَيْ عَمَلُ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرْضِهِ (فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا) فِي الْعَمَلِ (فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا إنْ أُكْرِهَ) أَيْ أَكْرَهَهُ الْبَاقُونَ عَلَى زِيَادَةِ الْعَمَلِ (أَوْ شَرَطُوا لَهُ عِوَضًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ) عَلَيْهِمْ (بِأُجْرَةِ الزَّائِدِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ (وَلَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَى هَاهُنَا) عَلَى الْأَسْفَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ النَّهْرُ مَمْلُوكًا كَمَا مَرَّ لِاسْتِوَائِهِمْ هُنَا فِي الْمِلْكِيَّةِ (فَإِنْ اقْتَسَمُوهُ) أَيْ الْمَاءَ (مُيَاوَمَةً) أَوْ نَحْوَهَا (جَازَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] (وَلِكُلٍّ) مِنْهُمْ (الرُّجُوعُ) مَتَى شَاءَ (فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ أَخَذَ نَوْبَتَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ) نَوْبَتَهُ (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) أَيْ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ مِنْ النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ هُوَ فِيهَا نَوْبَتَهُ (وَسَنَذْكُرُ قِسْمَةَ الْمَاءِ) نَفْسِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ اقْتَسَمُوا النَّهْرَ وَكَانَ عَرِيضًا جَازَ وَلَا إجْبَارَ فِيهِ كَمَا فِي الْجِدَارِ الْحَائِلِ (وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمْ مِنْ تَوْسِيعِ) فَمِ (النَّهْرِ وَ) مِنْ (تَضْيِيقِهِ وَ) مِنْ (تَقْدِيمِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ) الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ وَمِنْ تَأْخِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَ) مِنْ (إجْرَاءِ مَا يَمْلِكُهُ فِيهِ) أَيْ فِي النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ (وَمِنْ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ وَرَحًى عَلَيْهِ وَ) مِنْ (غَرْسِ شَجَرٍ عَلَى حَافَّتِهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) أَيْ الْبَاقِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ بَابَ دَارِهِ إلَى رَأْسِ السُّدَّةِ الْمُنْسَدَّةِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ يَتَصَرَّفُ فِي جِدَارِهِ وَهُنَا فِي الْحَافَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ (وَعِمَارَتُهُ) أَيْ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ تَنْقِيَةً وَغَيْرَهَا يَقُومُ بِهَا الشُّرَكَاءُ (بِحَسَبِ الْمِلْكِ) وَلَوْ كَانَ الْمُحْتَاجُ مِنْهُ إلَى الْعِمَارَةِ مُسْتَقِلًّا عَنْ بَعْضِهِمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَكَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقِيلَ لَا تَلْزَمْهُ الْعِمَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْبَاقِينَ وَالتَّرَجُّحُ فِيهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ.

(فَرْعٌ: كُلُّ أَرْضٍ وُجِدَ فِي يَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى) أَيْ الْأَرْضُ (إلَّا مِنْهُ) وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ (حُكِمَ لَهُمْ بِمِلْكِهِ) لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ فَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَوْ رَأَيْنَا لَهَا سَاقِيَةً مِنْهُ وَلَمْ نَجِدْ لَهَا شِرْبًا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شِرْبًا مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَلَوْ تَنَازَعُوا فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ) مِنْهُ (جَعَلْنَاهُ عَلَى قَدْرِ) أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ (الْأَرْضِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَقِيلَ يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الثَّانِي وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ.

الْقِسْمُ (الثَّانِي) الْمِيَاهُ (الْمُخْتَصَّةُ) بِبَعْضِ النَّاسِ وَهِيَ مِيَاهُ الْآبَارِ، وَالْقَنَوَاتِ (فَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ) أَوْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ (مَلَكَهَا وَ) مَلَكَ (مَاءَهَا إذْ الْمَاءُ يُمْلَكُ) وَهُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ (لَكِنْ يَجِبُ) عَلَيْهِ (بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ) مِنْ الْآدَمِيِّينَ (وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَقَامَ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَرْعٌ عِمَارَةُ الْأَنْهَارِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ]

قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْعِمَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَنْهُ) إنَّمَا تَعَرَّضَا هُنَا لِكَيْفِيَّةِ الْعِمَارَةِ لَا لِإِيجَابِ الْعِمَارَةِ قَالَ شَيْخُنَا أَشَارَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِهَذَا الْكَلَامِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ عَلَيْهِ الْعِمَارَةُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مِنْ وَظِيفَتِهِ لَا أَنَّ الشَّرِيكَ يُجْبِرُ شَرِيكَهُ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ وَأَفْهَمَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: حُكِمَ لَهُمْ بِمِلْكِهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مَنْبَعُهُ مِنْ أَرَاضِيهِمْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُمْ أَمَّا إذَا كَانَ مَنْبَعُهُ بِمَوَاتٍ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَهْرٍ عَامٍّ كَدِجْلَةَ وَنَحْوِهَا فَلَا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَبِهَذَا الْكَلَامِ الْحَسَنِ يُجَابُ عَمَّا قَدَحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الثَّانِي) لِأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي عَبْدَيْنِ خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ مُكَاتَبَيْنِ عَلَى نُجُومٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا وَأَحْضَرَا مَالًا وَادَّعَى الْخَسِيسُ أَنَّهُ سَوَاءٌ بَيْنَهُمَا وَادَّعَى النَّفِيسُ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ عَلَى قَدْرِ النُّجُومِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ الْخَسِيسُ عَمَلًا بِالْيَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا لِصُورَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْجِدَارِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ إلَيْهِ الدَّوَاخِلُ وَالْخَوَارِجُ وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ وَلَا مَعَاقِدُ الْقُمُطِ وَنَصَّ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الزَّوْجَانِ عَلَى إنَّهُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أَنَّهُمَا يُحَلَّفَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ عَادَةً وَلَا مَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ قَالَ شَيْخُنَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ بِعَدَمِ وُرُودِهِ عَلَى مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا فِي شَيْءٍ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ، وَالْيَدُ عَلَى النَّصِيبِ مُحَقَّقَةٌ فَكَانَ الْمُتَنَازِعُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِ الْيَدِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا كَذَلِكَ الْأَمْتِعَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمَا اسْتِقْلَالًا، وَصَلَاحِيَةُ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهَا لَا تُرَجِّحُ فَعُمِلَ بِالْمِلْكِ لَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ، كَاتِبُهُ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ) الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ فَاضِلِ الْكَلَأِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْمَاءَ إذَا أُخِذَ اُسْتُخْلِفَ فِي الْحَالِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْكَلَأَ يُتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ رَعْيَ الْمَاشِيَةِ يَطُولُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَمْكِينُهَا مِنْ دُخُولِهَا مِلْكَهُ لِأَجْلِهِ، وَالْمَاءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا طَمَّهَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015