تقاتل فريقان من المسلمين، فيجب على ولاة الأمور الإصلاح بالنصح والدعوة إلى حكم الله، والإرشاد وإزالة الشبهة وأسباب الخلاف، والتعبير بـ «إن» للإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يقع القتال بين المسلمين، وأنه إن وقع فإنه نادر قليل، والخطاب في الآية لولاة الأمور، والأمر فيها للجوب (?)، وقد استدل البخاري وغيره بهذا على أن المعصية وإن عظمت لا تُخرج من الإيمان، خلاقًا للخوارج القائلين بأن مرتكب الكبيرة كافر وهو في النار، وثبت في صحيح البخاري عن أبى بكرة- رضي الله عنه- قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب يومًا، ومعه على المنبر الحسن بن على - رضي الله عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أخرى، ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (?)، فكان كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب التي وقعت بينهما (?).

وفي قوله تعالى: {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ"، أي فإن اعتدت وتجاوزت الحد إحدى الفئتين على الأخرى، ولم تذعن لحكم الله وللنصيحة، فعلى المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية، حتى ترجع إلى حكم الله، وما أمر به من عدم البغي، والقتال يكون بالسلاح وبغيره، ويفعل الوسيط ما يحقق المصلحة، وهي الفيئة، فإن تحقق المطلوب بما دون السلاح كان ذلك، وإن تعين السلاح وسيلة فعل حتى الفيئة.

وفي قوله تعالى: {فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" أي رجعت الفئة الباغية في بغيها، بعد القتال، ورضيت بأمر الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة حتى تخرج من الظلم، وتؤدى ما يجب عليها للأخرى، حتى لا يتجدد القتال بينهما مرة أخرى، واعدلوا أيها الوسطاء في الحكم بينهما. إن الله يحب العادلين، ويجازيهم أحسن الجزاء، وهذا أمر بالعدل في كل الأمور (?). قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن المقسطين عند الله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015