وخير دليل على هذه الخطة ما قال ميمون بن مهران حيث قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضى بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب، وعَلِم من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به. وكان عمر يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان فيه لأبي بكر قضاء به، وألا دعا رءوس المسلمين، فإن أجمعوا على شيء قضى به (?).

وعن ابن مسعود قال: فمن عرض عليه قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولا قضى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه، ولا يقل: إني أرى وإني أخاف، فإن الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك (?) , وقد بينا في حديثنا عن المرجعية العليا لدولة أمير المؤمنين على بن أبي طالب حرصه على السير على نفس المنهج، ويتبين من هذه الآثار أن الصحابة كانوا يعتمدون في خطتهم التشريعية والقضائية على الكتاب والسنة قبل الانتقال إلى الرأي بمعناه الواسع (?).

ونحب أن نقف عند هذه الآثار لنستخلص منها بعض النتائج:

1 - اتفاق الصحابة حول هذه الخطة إذ كانوا يرتبون مراحل اجتهادهم وفقههم مبتدئين بكتاب الله أولاً، ثم الانتقال إلى سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل استخدام الرأي الجماعي ثم القياس.

2 - كان للسابقة القضائية دور مهم في الخطة وهو دور جعلها تلي النصوص مباشرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015