أولاد رجل واحد، إلى أن عدم الشر في زمان ابن سعود، وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية، وتجد في بعض الأراضي المخصبة هذا بيت عنزي، وبجانبه بيت عتيبي، وبقربه بيت حربي، وكلهم يرتعون كأنهم إخوان، ورأيت لهم عقيدة منظومة يحفظها حتى رعاة غنمهم، منها:
وما الدين إلا أن تقام شعائر ... وتأمن سبل بيننا وشعاب
فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركنا من أركان الدين ".
ويبدو أن الشيخ قد اكتشف القانون الحضاري الذي يبدأ بتوفير الأمن، فيقول: إن " تحقيق الأمن يدفع الناس للاشتغال بالزراعة والتجارة وتربية الماشية للتكسب، فإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا ينهبون ولا يسرقون ولا يقتلون "، ثم يلخص لنا اكتشافه: " فكأن المسألة أشبه بالدورية (?) أي: أنه متى وجد الأمان ارتفع السارق والقاتل لاشتغالهم بمعاشهم الحلال، ومتى اشتغلوا بالمعاش الحلال وجد الأمان ".
أفادكم الله.
وصاحب هذه الشهادة هو الشيخ عثمان بن سند البصري الفيلكاوي، فهو أقرب أن يكون كويتيا، وإن كان يصنف كمؤرخ عراقي، وهو من خصوم الوهابيين، وقد زعم أن هذا الأمن الذي حققه الحكم السعودي " كان دسيسة خدعوا بها العوام "، يبدو أن الدولة العثمانية ووالي البصرة لم يكونا بحاجة إلى دسيسة من هذا النوع " فذهب الأمن، وبطلت المعايش، وتدهور الوطن الإسلامي إلى ما هو معروف ".
وقد انتشى ابن بشر في وصف حالة الأمن في ظل الحكم السعودي حتى قال برعي الذئب مع الغنم، بل بما هو أخطر: ترك الملكية بلا حراسة من الإنسان، فقال:
" فسماها الأعراب سنين الكما؛ لأنهم كموا عليهم عن جميع المظالم الصغار والجسام، فلا يلقى بعضهم في المفازات والمخوفات إلا بالسلام عليكم، وعليكم السلام، والرجل يجلس ويأكل مع قاتل أبيه وأخيه كالإخوان، وزالت سنين الجاهلية، وزال البغي والعدوان، وسيبت الخيل والجياد والبقر وجميع المواشي في الفلوات، فكانت تلقح وتلد وهي