يجدوا أية بدع لدى الوهابيين، وبما أن هذا الإقرار قد صدر من العلماء المذكورين فإنه لا يرقى إليه أدنى شك، وقد وصل إلى القاهرة أيضا كتاب يشتمل على رسائل مختلفة عن موضوعات دينية كتبها محمد بن عبد الوهاب نفسه، وقرأ كثير من العلماء ذلك الكتاب، فأقروا بالإجماع أنه إذا كانت هذه هي عقيدة الوهابيين فإنهم أنفسهم يؤمنون بتلك العقيدة.

ولأن العامة من المتحمسين في أية فرقة جديدة يندر أن يتشبعوا بروح مؤسسها الحقيقية فقد حدث أن كثيرا من أتباع ابن عبد الوهاب عدوا أمورا ثانوية من الأمور الأساسية في العقيدة، وهذا ما جعل أعداءهم يكونون فكرة خاطئة عما يفترضون أنها ديانة جديدة، وقد انصب هجوم الوهابيين الشديد بعد حربهم للأولياء (?) بصفة رئيسية على الملابس وتدخين التبغ، فملابس الأتراك الأغنياء لا تتفق إلا قليلا مع تعاليم السنة التي تحرم لبس الحرير والذهب، كما تحرم لبس الفضة إلا بكمية قليلة، وقد نظر الوهابيون إلى أثواب الأتراك المزركشة بازدراء، ولأنهم علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس عباءة مثلهم، وحرم الملابس الفخمة، عدوا من الضروري أن يتبعوا طريقته في اللباس كاتباعهم لمبادئه الأخلاقية، وكان يمكن معرفة الوهابيين في جزيرة العرب فورا بملابسهم، فالعربي الذي لم يعتنق دعوتهم من المؤكد أن يكون جزء من ملابسه من الحرير، إما أن يحلي به الغطاء الذي يلفه على رأسه، أو يطرز به بردته.

أما تدخين التبغ فمن المعروف أن كثيرا من العلماء الأتراك قد ذكروا مرارا في كتاباتهم أنه عمل محرم، وهو مكروه في المذهب المالكي، أحد المذاهب السنية الأربعة، وكثير من العلماء في كل جزء في تركيا يمتنعون عن تدخينه على أساس ديني، وقد رغب الزعيم الوهابي أيضا في أن يمنع تدخين النباتات المسكرة المستعملة كثيرا في الشرق لمعارضة ذلك للقرآن، لكنه لم يستطع أن ينجح في هذا الأمر تماما، ولا بد أن ابن عبد الوهاب كان يعلم في الوقت نفسه أن أتباعه في تضحيتهم الكبيرة بامتناعهم عن التدخين سيصبحون بطبيعة الحال أشد أعداء لكل أولئك الذين لا زالوا منغمسين في ذلك الترف، ولم يعتنقوا دعوته بعد (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015