لكن أهل العلم وعقلاء الناس لديهم موازين علمية وعقليَّة وقواعد شرعية يزنون بها الأمور.
ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تخضع لهذه القاعدة، إذ هي دعوة إسلامية محضة وسلفية خالصة، تسير على منهج السلف الصالح، فمردُّ الخلاف بينها وبين مخالفيها: الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وقد بينت أن ما يتهمها به خصومها من الاتهامات على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: من الكذب الصريح والافتراء والبهتان، وقد ورد ذكر كثير منه في هذا البحث.
النوع الثاني: مما يكون من اللوازم غير اللازمة، أو التلبيس، أو التفسير الخاطئ، ونحو ذلك مما يلتبس فيه الحق بالباطل ويجب رده إلى النصوص والأصول الشرعية والقواعد المعتبرة عند العقلاء، والمنهج الذي عليه الدعوة.
النوع الثالث: أخطاء وتجاوزات وزلات ليست على المنهج الذي عليه الدعوة، أو اجتهادات خاطئة أو مرجوحة، وقد تصدر من أيٍّ من العلماء أو الولاة أو العامة، والمنتسبين للدعوة. وكثير من الشبهات والاتهامات التي يتعلق بها الخصُوم للطعن في الإمام وأتباعه ودعوته من هذا النوع.
وقد عرضت هذا المنهج بشيء من التفصيل في هذا البحث ليكون القاعدة والميزان في تقويم الدعوة، وبيان مدى الظلم والإجحاف الحاصل لها ولأهلها في الاتهامات التي قيلت وذاعت عند الكثيرين، بل ومدى البهتان والكذب من قبل بعض الخصوم الذين ظلموا هذه الدعوة، أو ممن صدقوهم دون تثبت ولا نظر في المنهج والأصول التي عليها المعوَّل في النقد والتقويم، ودون اعتبار للحال والواقع الذي تعيشه الدعوة وأهلها.
وقد واجهت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - كسائر الدعوات الإصلاحية - صورًا عديدة من هذا الابتلاء والمواجهة والحرب الظالمة بجميع أنواعها من خصُومها، وما هذا الصراع إلا حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة.
كما أن الصراع بين الدعوة وبين خصومها إنما كان صراعًا عقديًا بالدرجة الأولى، ومظاهر الصراع السياسي وغيره جاءت تباعًا؛ لأن الدعوة أعلنت نشر التوحيد والسنة، ومحاربة الشركيات والبدع السائدة، وأعلنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وتحقيق العدل ورفع الظلم، والعمل بشرع الله في أمور الحياة ونشر العلم، ومحاربة الجهل