أحد من عواصم البلاد الإسلامية الكبيرة من إستانبول أو الشام أو مصر أو العراق، والتعبير بأنه لم يحج أحد يشير إلى أنه لم ترسل تلك الدولة حملات الحج الرسمية المعتادة، وظل هذا الإحجام عن أداء فريضة الحج حتى (1226 هـ) وهي السنة التي جهزت فيها دولة الخلافة محمد علي باشا لحرب الحركة الوهابية، وهذا يعني أن خمس سنوات مرت دون أن يحج أحد من تلك الأقطار.
وليس هناك ما يشير إلى أن الأمير سعودا هو الذي حظر على تلك العواصم من أن تحج، بل إن السبل في أيامه كانت أكثر أمنا من أي وقت مضى، وليس شرط الأمان الذي كان يأخذه أهالي المغرب كما ذكرنا شرطا أو بندا على الحج يمنع تلك الأقطار من الحج، فإن الذي يحتاجه - على ما نرجح - هم الحجاج الشراذم أو الجماعات الصغيرة، فإعطاؤه الأمان حينئذ زيادة في تمكينها من أداء الحج والعودة سالمة عبر تلك المسافات الشاسعة التي كان مرورها فيه قبل ذلك يحمل المخاطر الجسام، فالأمان والحال هذه ميزة لا قيد.
بل إن الأمير سعودا نفسه تعرض لهذه القضية لحساسيتها - وهذا من بعد نظره - فذكرها في رسالته إلى السلطان سليم، وبين أنه سيمنع الحاج القادم من الشام أو مصر إذا كان مصطحبا مظاهر الإخلال بمشاعر الحج وحرمتها، من اصطحاب الطبول والمزامير وما أشبهها، وعلل ذلك بأنه ليس من الدين في شيء، ولم يقل إنه سيمنعهم لمجرد المنع.
وهذا تلمسه ساطعا جليا في رسالته - آنفة الذكر - حين قال موجها الخطاب إلى السلطان سليم: " فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء إلى هذا البلد المقدس بالمحمل والطبول والزمور، فإن ذلك ليس من الدين من شيء ".
إلا أن النتيجة التي انبنت على هذا الإحجام عن الحج طوال هذه المدة أن انبنى في أذهان الناس عموما في شتى الأقطار نوع عداء للحركة الوهابية، نابع من أنها هي التي منعت الحج، وأن سبله تحوطها المخاطر الذي تتحمل مسئوليتها الحركة الوهابية، ولقد نجح - كما يبدو - استغلال هذا الواقع لتشويه وتجسيم عداء الأمير سعود أو الحركة الوهابية ككل لدولة الخلافة، ولقد قام بهذا الدور الشريف غالب وغيره فيما كان يرسل من رسائل إلى دولة الخلافة يوهمها بأن الأمير سعودا يمنع حجاج الأستانة أو غيرها، بل إن الشريف غالبا كان يزور الرسائل على لسان الأمير سعود، ويضمنها مثل تلك المعاني، كما سنكشفه فيما بعد " (?) .