وبهذا نعرف أن أمراء مكة هم الظالمون وهم البادءون بالعدوان، فقد منعوا هؤلاء المسلمين من الحج، ولما طال منعهم وحرمانهم من الحج، وهو ركن الإسلام، ثم لما أعلن الأشراف وأعوانهم الحرب والقتال، وغزوهم في مقر دارهم كان مما ليس منه بد من الدفاع أولا لصد العدوان، ثم الاستمرار في قتال المعتدين وكف شرهم، وتأمين سبيل الحج وإبلاغ دعوة التوحيد والسنة، وتخليص المسلمين من أوضار البدع والمحدثات والمظالم التي شاعت في بلاد الحرمين، فكان ما لا بد منه وهو الاستيلاء على مكة.

فدخلتها جحافل الدعوة وفي مقدمهم الإمام الصالح سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود سلمًا وبدون قتال، فأقام شعائر الدين على السنة، وهدم القباب والمشاهد وكل مظاهر البدع.

وجمع المسلمين على إمام واحد، وكانوا يصلون متفرقين أتباع كل مذهب مع إمامهم. وأزال المنكرات الظاهرة.

وشرع في نشر العلم وتفقيه الناس في دينهم، في العقيدة والأحكام، «أما ما أشاعه خصوم الدعوة من أن جيوش الأمير سعود لما دخلوا مكة سالت الدماء أنهارًا فهو محض افتراء.

وهنا أصل شرعي عملت عليه الدعوة لما تمكنت وصار لها كيان ودولة وهو قتال المخالفين إذا وقفوا ضد الحق والدين والسنة والعدل والأمن وانحازوا مع الباطل والشر والبدع والظلم والفوضى والفتنة، فإن قتال المخالفين في هذه الحال نوع من الجهاد {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] [سورة الأنفال، آية: 39] .

ومعلوم أن الدعوة ودولتها لم تقاتل إلا حين كان لها إمام وبيعة وكيان معتبر شرعًا وعرفاً.

وهنا أمور كذلك لا بد من كشفها بهذا الصدد ومنها: 1 - أن خصوم الدعوة كانوا يحمون البدع والشركيات ويدافعون عنها ويقاتلون في سبيل ذلك، إما أصالة، أو تقليداً، أو جهلاً، أو نحو ذلك. وقد يكون بينهم المستضعفون والمسخرون الذين لا حول لهم ولا قوة. فأمرهم إلى الله لكن هؤلاء كلهم في الظاهر وقفوا أمام دعوة الحق.

2 - أن الدعوة وأهلها ودولتها كانت تحمل مبادئ الدين الحق، ويحق لها أن تدعو إليه وتدافع عنه وتحميه، وأن تدافع عن وجودها وكيانها، وأن تعمل بكل الوسائل المشروعة في ذلك بما فيه القتال عند الضرورة.

3 - أضف إلى ذلك أن الدعوة وأتباعها ودولتها تعرضت لمظالم كبرى من خصومها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015