ولذا فإن موقف الدعوة من القتال تدرج حسب المراحل الطبيعية والموقف الشرعي في نمو الدعوة ودولتها.
ففي أول الدعوة لم تَشْرَع في القتال، ولم تستحله أصلاً؛ لأنها لم تتمكن، ولم يكن لها سلطان ومن ثم لم يكن لها مبرر شرعي يجيز لها أن تستعمل القوة.
فلما اشتهرت الدعوة، وشرع الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وأنصاره بالصدع بالحق، ظهرت ردود الأفعال من الخصوم والمخالفين والمعارضين قوية وعنيفة، وصارت تعتدي وتستعدي الدول والحكام والأمراء وشيوخ القبائل والرؤساء وسائر الناس كذلك.
فنتج عن هذه الجهود المضادة أنواع من العنف ضد الدعوة ومؤيديها بشتى أصنافه من الطرد والحبس والقتل، وقبله التشهير والبهتان.
وفي الوقت نفسه تجذرت الأصول الشرعية لإمارة محمد بن سعود حامل لواء الدعوة، وكثر أنصاره وقويت شوكته، وبايعته كثير من الأقاليم المجاورة، وبدأت مواجهة خصوم الدعوة، من قِبَل جيرانها أمثال (دهام بن دوَّاس) وغيره.
ومن هنا نشأت بالضرورة شرعية القتال للدفاع عن النفس والكيان فصارت إمارة آل سعود (الأمير محمد بن سعود) بتوجيه من الإمام محمد بن عبد الوهاب هي القوة المدافعة عن الدعوة وبلادها، مما جعل مركزها السياسي والعسكري والاقتصادي يتنامى ويتقوى بسرعة مذهلة. وتكون ذات كيان معتبر في المنطقة وما حولها.
وأتاحت لها هذه الظروف بتوفيق الله تعالى، أن تكون دولة ذات رسالة وحاملة لواء التوحيد والسنة، وهذا مما سوغ لها أن تقوم بواجب الجهاد لنشر الدين، ونصرة الحق وأهله، وبعد توافر الشروط الشرعية للجهاد: من الدولة والإمارة والبيعة والأنصار والجيوش، والمركز السياسي والاجتماعي، وعليه فإن الدعوة ودولتها لم تبدأ القتال ولم تتجاوز موقف الدفاع إلا حينما تقوَّت، واشتد ساعدها في حلبة الصراع، وصارت لها إمامة شرعية وبيعة وكيان.
فإن الخصوم من رؤساء بعض الأقاليم المجاورة، وأمراء الأحساء، وأمراء نجران قد بدءوا بالهجوم المسلح على الدرعية.