ومع ذلك فإن هذه التبعية الشكلية إنما كانت تهدف إلى مجرد الاعتراف بالسيادة وجلب الضرائب، أو تأمين السبل وتوفير المؤن ونحو ذلك، ولم يكن لها تدخل فعلي في الشؤون الداخلية، فكانت ولايات الإمارة والقضاء، والحسبة، والمرافق تتم من قبل أهل الأقاليم أنفسهم وليس للدولة العثمانية وولاتها فيها حل ولا عقد، وهذا مما يُرد به على الذين توهموا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب والدولة السعودية خرجوا على الخلافة.
السمات العامة لنجد إبان ظهور الدعوة: لقد اتسمت البيئة العامة في نجد التي ظهرت فيها دعوة الإمام بسمات خاصة كان لها أكبر الأثر في مسار الدعوة منها:
الوضع الاجتماعي والأمني: غلبة السمة القروية والبدوية عليها، ففي نجد عدد كبير من القرى والواحات، ويقطنها عدد أكبر من القبائل التي تعيش في البادية، وليس بين الحاضرة والبادية وئام، وكان العداء والتنافر سائدًا بينهم؛ لعدم وجود السلطان الذي يجمع الشمل ويحفظ الأمن، ويقيم العدل، كانت العلاقات بين البادية والحاضرة في عداء مستمر وسلب ونهب وقتال غالبًا، بل وكذلك الحال بين قرى الحاضرة نفسها، حيث تسودها المنافرة والتشتت والحروب، وكذلك الحياة بين القبائل البدوية تسودها الفوضى والعصبية والحمية الجاهلية، والقتال والسلب والنهب، وتحكمها الأعراف والعادات الجاهلية.
تبعًا لذلك نرى نجد في عهد قيام الدعوة مشتتة ومقسمة إلى إمارات ومشيخات صغيرة ومتناحرة.
حتى وصل الحال إلى أن القرية الواحدة تتنازعها عدة زعامات! ويكثر بينها التنافر والظلم والجور.
الوضع الديني: كما ساد بينهم - من الناحية الدينية - الجهل والإعراض وشيوع البدع، فكان التصوف البدعي سائدًا، بما فيه التصوف الغالي، كمذهب ابن عربي وابن الفارض، والتصوف حيثما حل حلت الخرافة، وساد الجهل، وانتشرت البدع والخرافات والشركيات وشاعت المنكرات.