في اللغة موضوع دراسته ووصفه وتحليله. وهي هامة لعالم اللغة الجغرافي، ليس فقط بسبب أنها تعطيه صورة -أقرب إلى الدقة- للغات العالم، وتبين له أهمية بعضها بالنسبة للبعض الآخر، ولكن أيضا لأنها تمده بالأسس التي يبنى عليها تنبؤاته فيما يتعلق بمستقبل اللغات في العالم.
ومن الحقائق العامة أنه وجدت -في الماضي- لغات معينة كانت يوما ما هامة ومنتشرة, ثم اختفت من الوجود نهائيا وبادت معالمها، اللهم إلا من بعض نصوص كتابية وكلمات قليلة افترضتها لغات كانت أكثر حظًا، وهي تلك التي عاشت وازدهرت، وهناك لغات أخرى أظهرت قوة جبارة في التوسع والامتصاص واستمالة أعداد هائلة من المتكلمين الجدد الذين لم يسبق استعمالهم لها. وقد كانت اللغة اللاتينية من ذلك النوع الذي جذب عددا من المتكلمين بلغات مثل الإترورية صلى الله عليه وسلمtruscan والأسكانية Oscan والأمبرية Umbrian والأيبيرية Iberian والغالية Gaulish وألسنة أخرى كثيرة ضاعت معالمها وقد عاشت اللاتينية ونجحت، وظلت تنبض فيها الحياة حتى عصرنا الحاضر في شكل اللغات الرومانسية التي هي في الواقع سليلة اللاتينية، وهي هي مع بعض خلافات حدثت بمرور الزمن.
ولو انتقلنا إلى لغات حديثة زمنيًا لشاهدنا ازديادا في قوة الشخصية وعدد المتكلمين بالنسبة للغات كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية، فكل منها قد اكتسب متكلمين جددا عن طريق الامتصاص من ناحية، والنمو الطبيعي من ناحية أخرى، ونحن في بعض الأحيان نصطدم بلغات مثل اللغة الصينية التي يرجع التزايد العددي لمتكلميها إلى سبب واحد، وهو النمو السكاني الداخلي.
وإنه من بين وظائف عالم اللغة الجغرافي أن يدرس العوامل التي تؤدي إلى تقدم لغة أو تقهقرها، وأن يعكس صورة اللغة المستقبلة من خلال حاضرها.