أولاها وأهمها أن كل اللغات تتكون من أصوات تصدرها أعضاء النطق الإنسانية، هذه الأصوات -لتصبح ذات معنى- يجب أن توضع في شكل تتابعي محدد معين، مكونة" كلمات أو مجموعة من الكلمات هذه الكلمات أو مجموعاتها يجب أن تكون محل اتفاق أعضاء المجموعة اللغوية باعتبارها قيمًا رمزية تستحضر -ولو على وجه التقريب- في ذهنهم أفكارًا معينة.
وإنه لواضح بدرجة كافية أن القيمة التي يدل عليها الرمز تتم بطريق التحكم والفرض، وأنه ليس هناك أي رابطة فطرية بين اللفظ ومدلوله، ولو صح الافتراض القائل بوجود علاقة فطرية بينهما لكان حتمًا أن يتكلم الناس لغة واحدة.
ولكن الأمر على غير ذلك، فكلمة dog في الإنجليزية يقابلها chien الفرنسية، وperro الإسبانية، وinu اليابانية اللغة المتكلمة إذن تعتمد على الاصطلاح والاتفاق الجماعي مهما قل عدد أفراد الجماعة اللغوية، وهذا يضع اللغة حتما في قائمة الرموز مثل عملة النقد الورقية التي ترمز إلى قيمة شرائية معينة، وتعتمد في قيمتها على العرف والاتفاق بين أفراد المجتمع، لا على قيمتها الذاتية.
عملية الكلام -إذن- تتكون من جانبين عضوي ونفسي، وحركة الكلام تبدأ من الرباط النفسي أو العقلي الذي سبق الاتفاق عليه في عقول المتكلمين بين دلالة معينة ومجموعة من الأصوات، ترمز إليها، ولكن سرعان ما تنتقل إلى العملية العضوية عن طريق إشارات عصبية يرسلها العقل إلى الجهاز النطقي لإنتاج الصوت المطلوب.
وفي الحال تبدأ مهمة الجهاز النطقي الذي يصدر أصواتا متتابعة مسموعة تنتقل عن طريق موجات صوتية إلى أذن السامع، وأذن السامع بدورها توصل الرمز الصوتي الذي استقبلته إلى العقل، الذي يعطي هذه الرموز قيمتها، ويترجم الرسالة على ضوء ما اختزن فيه سابقا من علاقة بين الرمز الصوتي