على سطح الأرض أي جماعة إنسانية -مهما قل حظها من الحضارة والمدنية- بدون لغة تتفاهم وتتبادل الأفكار بها.
إن الكلام يمكن أن يتم بينما يباشر الإنسان عملا آخر يدويا، ويمكن أن يحدث في الظلام، ولست في حاجة إلى ضوء لتباشر عملية الحديث مع شخص آخر، ولعل هذا هو السبب الذي حدا بأجدادنا القدماء أن يفضلوا الحديث على غيره من طرق التفاهم، مثل الإيماءات التي ربما كانت أسبق وجودًا من الكلام، ومثل التعبير بالصور الذي ربما كان متأخرا في الوجود وأدى إلى اختراع الكتابة.
وحتى عصر قريب جدًا كانت اللغة المكتوبة تتمتع بميزتين لا توجدان في اللغة المتكلمة. إنها كانت باقية بينما كانت المنطوقة زائلة، وكان من الممكن نقلها عبر مسافات بعيدة على عكس المنطوقة، أما الآن، فإن التسجيلات والأشرطة وغيرها من الأشكال "الأحاديث المحفوظة" تحقق للغة المنطوقة ميزة الاستمرار والانتقال إلى آماد بعيدة، حتى إن من العلماء من يتساءل الآن ما إذا كان الوقت لم يحن بعد لأن تختفي لغة الكتابة وتحل محلها لغة الحديث، ولكن ليس هناك حتى الآن أي علامة على احتمال حدوث ذلك قريبا وإن معرفة القراءة والكتابة لتنتشر الآن بين أبناء الدول المختلفة في نفس الوقت الذي تتضاعف فيه استعمالات اللغة المكتوبة.