هذا فإن فكرة وضع أسس تقبل التطبيق على كل اللغات قد فشلت في أن تفرض نفسها, وحتى هذه الفترة لم يكن قد قدر لعلم اللغة الجغرافي أن يعرف, وحتى نهاية هذا القرن، وربما بعد ذلك أيضا، كان هناك اعتقاد سائد بأن اللغات التي تستحق الدراسة من أجل ما تحققه من فائدة عملية، هي تلك اللغات العظمى التي حملت الحضارة الأوربية، والتي صارت كذلك لغات استعمارية عظمى، ولم يكن محض صدفة أن اللغات الصناعية التي حوول تركيبها خلال هذه الفترة بما فيها الإسبرانتو لم تعط تمثيلا متساويا للغات ذات القيمة العالمية، فقد حضرت نفسها في اللغات ذات الأصل الجرماني، أو اللاتيني أو الروماني أو اليوناني، مع إشارات سريعة إلى اللغات السلافية1.
وقد عكر من صفو الوحدة المتآلفة للفكر اللغوي في القرن التاسع عشر الخلاف الحاد الذي ثار بين مؤيدي نظرية الاطراد الملتزم للتغييرات الصوتية "النحويون المحدثون Neo grammarians"، ومؤيدي النظرية القائلة بأن التغير اللغوي شيء يرجع إلى الهوى الشخصي في العادة "اللغويون المحدثون Neo linguists". وقد تبلور هذا الخلاف عن حل وسط يقول: إنه يوجد اطراد في التغير الصوتي، بشرط ألا تتدخل عوامل أخرى مثل القياس والافتراض اللهجي أو الثقافي في طريق ما يسمى بالقوانين الصوتية Sound laws. وعلى الرغم من الصورة الكريهة التي ظهر فيها هذا الجدل، فقد كان النتاج ذا قيمة كبيرة، حيث تركز الاهتمام على الصيغ اللهجية، وعلى أنواع من الكلام لم يكن ينظر إليها حتى تلك اللحظة إلا على أنها لغات تافهة لا تستحق الدراسة, وحيث إن اللهجات لم تكن -من جميع جوانبها- مسجلة في خلال تطورها التاريخي، فقد أدى هذا إلى توجيه الاهتمام إلى اللغات الحية