حتى من قبل نهاية القرن الثامن عشر كان السير وليم جونز William Jones قد قدم لعالم الدراسات اللغوية آراءه عن العلاقة القوية بين السنسكريتية والفارسية القديمة، وبين اللاتينية واليونانية والجرمانية والكلتية, وقد كانت هذه الدراسة بمثابة الدليل أو الريادة للمنهج المقارن الذي أخذ يحتل عالم الدراسات اللغوية طوال المائة العام التالية أو أكثر.
ولم يكن جونز نفسه هو الذي وضع منهج البحث، وإن كان هو الذي اقترحه, ولكن تبعه مباشرة علماء مثل شليجل Schlegel، ورسك Rask, وبوب رضي الله عنهopp، وجريم Grimm، وفرنر Verner. وقد كان المنهج -في أساسه- بسيطا. احصل على أقدم الأشكال الثابتة، وعلى أقدم الكلمات لكل فرع من فروع اللغات الهندية الأوربية، ثم ضعها بعضها بجانب بعض، وصف ما بينها من مشابهات واختلافات ثم حاول أن تركب -عن طريق استخلاص الأشياء المشتركة الغالبة- الصيغة المحتملة للغة الأم. ولم يكن بالطبع يقدر لهذا المنهج أن يقبل، إلا بعد إثبات العلاقة بين اللاتينية واليونانية، والسنسكريتية والسلافية القديمة، والكلتية القديمة ... إلخ، وانتمائها جميعا لعائلة واحدة وتفرعها من أصل واحد، أو لغة مشتركة. ولا بد لنا أن نعترف بفضل الريادة، وتقديم الأسس الدقيقة المقبولة لهذه النظرية للسير وليم جونز، على الرغم من اعترافنا بأن معظم الشواهد والتطبيقات قد تمت على يد كتاب متأخرين, وقد امتدت آفاق علم اللغة المقارن فيما بعد لتشمل فروعا مستقلة للغات الهندية الأوربية "على سبيل المثال اللغات الرومانسية المتفرعة عن أصل لاتيني مشترك"، وحتى لتشمل مجموعات من اللغات لا تبدو لها صلة بالمجموعة الهندية الأوربية، وإن كانت تبدو مرتبطة بعضها مع بعض، مثل الأكادية، والعبرية، والعربية، والآرامية، وغيرها من المجموعة السامية.
وكان نتاج هذه الدراسة علم اللغة المقارن، أو كما كان يسمى في ذلك الوقت الفلولوجي المقارن "أطلق عليه هذا الوصف لأن أقدم النماذج والكلمات والصيغ والتركيبات الثابتة قد انحدرت كلها من وثائق لغوية مكتوبة".
وفي خلال هذا القرن لم يظهر إلا قليل جدا مما عرف فيما بعد باسم علم اللغة الوصفي، فقد كان هناك من يزعم في ذلك الوقت -بطريقة ضمنية- أن الاهتمامات التاريخية لها الشأن الأعظم. وقد مهدت الدراسات اللغوية المقارنة السبيل إلى استبعاد البقية الباقية من الاعتقاد التقليدي الذي كان سائدا، وهو الذي يزعم أن كل اللغات قد انحدرت من أصل لغوي مشترك, وعلى