ومع هذا كان هناك اتجاه نحو اعتبار النماذج القديمة بمثابة المثل اللغوية، والنظر إلى النماذج الحديثة التي طرأت على أساليب الكلام على أنها انحراف وابتذال يجب مقاومته والتقريع عليه.
وفي نفس الوقت ربما كان صحيحا القول بأنا نبالغ في فهم المغزى والمناسبة التي توجه منها مثل هذه اللائمات، فهي قد قيلت لتطبق فقط على اللغة المكتوبة وعلى الأداء الأدبي البلاغي، لا على الكلام اليومي العادي.
وقد أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية إلى تفسخ للمستويات المعيارية مصحوبة بتغيرات واسعة في اللغة المتكلمة. وقد اعترف بهذه التغييرات أخيرا حينما أخذت اللغات الرومانسية الجديدة أشكالا مكتوبة في وقت ازداد فيه الإحساس اللغوي. وبينما كان هناك فيما سبق خط فاصل بين اللاتينية "الصواب" والأخرى "الخطأ" أصبحت اللاتينية نفسها الآن -بعد أن صارت لغة شبه متكلفة وإن كانت ما تزال لغة حية يستعملها الدارسون ورجال الدين- توازن باللغات المحلية، واللهجات المستعملة بين الفلاحين وطرق التعبير الرومانية، أو المبتذلة التي انبثقت عن الطبقات الوسطى. ولكن خطوات الاعتراف بهذه الألسنة الجديدة ومساواتها بغيرها كانت بطيئة. ولم يتم حتى حوالي عام 1000م ظهور نحو لغوي مزدوج للغتين اللاتينية والأنجلوسكسونية. وقد كان تقعيد القواعد التي ترتبط باللغات الرومانسية أبطأ من هذا لدرجة أن دانتي كان ما يزال يصف لغته عام 1305 بأنها لاتينية من غير قواعد نحوية.
وخلال كل هذه الفترات التي ندرسها، وذلك من فجر التاريخ حتى فجر النهضة كانت اللغات في استعمال كتابي وكلامي ثابت. ومع هذا يمكن أن ندعي وجود إدراك للتغيرات اللغوية حينذاك، وإن كنا لا نملك دليلا مباشرا لهذا الإدراك، فقد كانت الإشارات المباشرة لاختلافات كهذه، وللصعوبات المتولدة عنها -من جانب آخر- إلى حد ما طفيفة، وفي أعمال تقابل أعمالنا الأدبية الحديثة "مثل الإلياذة والأوديسة على سبيل المثال" كانت