استغرق قرونا حتى تم وضعه. وقد بني على بعض فروض وهمية، ومقدمات خاطئة عند التصنيف, وربما كان هذا التصريح مثيرا للعجب، لأن قيمة النحو اليوناني بالنسبة للغويين المحدثين تعد شيئا لا يحتاج إلى بينة. ولعل السبب الوحيد الذي أدى إلى تخلف النحو الإغريقي وعدم إحكام قواعده أن النحاة الإغريق كانوا مرتبطين بأسس ومبادئ منطقية وفلسفية كثيرا ما اعترضت طريقهم نحو الملاحظة العلمية، وقادتهم إلى استعمال المنهج الاستدلالي الاستقرائي.
وبمجرد أن وضعت التركيبات والأنواع النحوية قدر لها أن تشيع وتبقى وتستمر. لقد توارثها الخلف عن السلف، وأصبحت تطبق ليس فقط على المجموعة الرومانسية، ولكن أيضا على لغات من مجموعات أخرى مثل العبرية والعربية. ومن حسن الحظ أن اللغات السامية لا تختلف كثيرا جدا في تركيبها عن اللغات الهندية. وبذا أمكن لهذا النقل أن يتم بشيء من السهولة واليسر.
وكثيرا ما أخذ على الآراء النحوية القديمة أنها كانت معيارية أكثر منها وصفية، بمعنى أن النحاة الأقدمين تناولوا التركيب اللغوي كما ينبغي أن يكون لا كما هو كائن بالفعل. وقد نسي هؤلاء الناقدون أن القواعد النحوية -مثل نظم الكتابة- كانت في البداية انعكاسات دقيقة لحالة موجودة بالفعل، ولكن أوضاع اللغة تتغير دون أن تجاريها القواعد النحوية والنظم الكتابية مما يؤدي في النهاية إلى تحكيم بقايا من مرحلة قديمة منتهية من مراحل اللغة. وهناك دلائل كثيرة -وبخاصة من اللغة اللاتينية- على أن تغير اللغة قد صاحبه جمود في القواعد النحوية, وهناك أيضا دلائل كثيرة على أن أكثر الناس تعليما وثقافة كانوا على وعي تام بالتغييرات اللغوية التي حدثت1 أو التي تحدث للغتهم،