انعكس هذا بسرعة في تغيير كثير من تقاليدها ومظاهرها حتى تتفق مع الثقافة التي أعجبوا بها. ومن الناحية اللغوية فإن هذا التيار الثقافي يبدو أثره في استعمال اللغة ذات الثقافة الرفيعة، وفي دراستها، وهذا بدوره يؤدي إلى خلق ما يمكن أن يسمى باللغة الثانية للأمة موضوع الدراسة. وإنه ليقال إن اللغة الفرنسية يتكلمها -على سبيل المثال- ليس أقل من مليون إيطالي، أو بعبارة أخرى شخص بين كل خمسة وعشرين، وهذا المركز يختلف في أسبابه -ولكن ليس في تأثيراته- عن الآخر الناشيء في قطر كان مستعمرا مثل الهند حيث تتحدث نسبة كبيرة من السكان اللغة الإنجليزية. وبالمعنى الذي شرح فيما سبق أصبحت اللغة الإنجليزية مؤخرا لغة ثقافية ناشرة نفوذها ليس فقط في الأقطار المستعمرة في الأصل، ولكن أيضا في أقطار لم يربطها رابط استعماري بها قط مثل تركيا والاتحاد السوفيتي، حيث لم يكن بهما مطلقا أي نوع من الاستعمار الإنجليزي أو الأمريكي.
إن العامل الديني لا بد أيضا أن يؤخذ في الاعتبار في أبحاث علم اللغة الجغرافي، فالنفوذ اللغوي البادي في اللغات الدينية مثل اللاتينية في البلاد الكاثوليكية الرومانية، والعربية في البلاد الإسلامية التي تتحدث اللغة العربية لا يمكن أن يتجاهله عالم اللغة الجغرافي. وهذا النفوذ اللغوي الديني يعني عادة أن اللغة التي يرتبط المتكلمون بها بعقيدة معينة سوف تأخذ كلمات وترجمات مفترضة من اللغة المقدسة، وأن بعضا من أبناء اللغة -قل أو أكثر, وإن كان في العادة يضم كل رجال الدين- سوف يستعملون -بصورة أو أخرى- اللغة المقدسة كلغة متكلمة. وربما كانت إيطاليا من أجل ذلك توصف بأنها دولة لغتها الثانية الفرنسية، ولغتها اللاتينية.
وقد لا يستحق التنبيه منا أن ننص على أن التاريخ الماضي يحمل نفوذا هائلا على الحالة اللغوية للدول الحديثة. وحتى الآن نجد أن هذا العامل كثيرا ما أهمل، أو بولغ في قيمته. وهناك أسباب تاريخية عميقة تكشف عن السبب في اختيار دولة إسرائيل الجديدة اللغة العربية بدلا من البيدية كلغة قومية ورسمية، وعن