دراسة اللغات كان كل همهم اكتساب اللغات الأجنبية عن طريق الأذن بسماعها من أصحابها.
وهناك محاولات أخرى في هذا الاتجاه الوصفي تمت على يد بعض المبشرين الأولين وضعوا قوانين للغات تلك الشعوب التي اتصلوا بها، ولكن تقنينهم كان أشبه بالتقعيد البدائي، واهتمامهم بالمفردات كان منصبًا على الجزء الذي يخدم الأغراض الدينية، ويساعد على ترجمة الكتاب المقدس. ولكن هذه المحاولات المبكرة -مع الأسف- قد فقدت قيمتها نظرًا لسيطرة الاتجاه الفلسفي عليها، وهو اتجاه كان شائعًا حينئذ، بالإضافة إلى ما كان سائدا بين اللغويين من وجوب صب اللغات كلها في قوالب عالمية موحدة مصبوبة على نمط اللغتين اللاتينية واليونانية، بدلا من محاولة التقعيد لكل لغة بحسب ظروفها الخاصة. وإن الإسهام الكبير الذي قدمه اللغوي الحديث لوصف اللغة يتمثل في معرفته بالأسس الفونيمية والمورفيمية التي تسمح بوصف تفصيلي دقيق إلى حد كبير، لا يقارن بما يمكن أن يحققه منهج يقوم على الأذن غير المدربة أو الاستنتاجات العشوائية.
وإن مجال بحث عالم اللغة الوصفي يتمثل حقيقة في حقل اللغات الحية، حيث يمكن تزويد الباحث بأحد ابناء اللغة الذين يتكلمون بها، وهو الذي يعرف فنيا باسم الراوي اللغوي Informant. ودرجة الثقافة المطلوبة في الراوي اللغوي أمر نسبي، ففي حالة اللغات المستعملة في مجتمعات متخلفة لا معنى مطلقا لإثارة مثل هذا السؤال، ولكن بالنسبة للغات مجتمعات متحضرة، فهؤلاء الرواة يمكن أن ينتقوا من بين من يحسنون تمثيل المستوى اللغوي، المراد تحليله وتقعيده، فإذا أراد أحد أن يصف اللغة الفرنسية كلغة يتكلمها أكثر الناس ثقافة في فرنسا فيجب أن ينتقي الراوي من بين الطبقات العالية الثقافة، مثل أساتذة الجامعة، والمحامين، والأطباء، وموظفي الحكومة وإذا أريد وصف لغة الأحياء القذرة في باريس وتحليلها، فإن الأوباش والمومسات يمثلون هذه اللغة