وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول: إنا لله .. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول؛ ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.
هذا الفاروق عمر - رضي الله عنه - ما مات حتى سَرَدّ الصوم.
وكانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تسرد، وسرد أبو طلحة بعد رسول الله أربعين سنة.
وقال نافع: ما رأيت ابن عمر صائمًا في سفره، ولا مفطرًا في حضره.
وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادِنةً إلا وختمتُ القرآن عندها.
وقيل لعمرو بن هانئ: لا نرى لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم؟، قال: مائة ألف، إلا ما تخُطئ الأصابع.
وصام المنصور بن المعتمر أربعين سنة وقام ليلها، وكان الليل كله يبكي، فتقول له أمه: يا بني، قتلت قتيلًا؟، فيقول: أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي.
قال الجماني: لما حضرتْ أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته، فقال: لا تبك، وأشار إلى زاوية في البيت، إنه قد ختم أخوك في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة.
كان بعض السلف يقول: صم الدنيا واجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم.
وقَدْ صُمْتُ عَنْ لذاتِ دَهْرِي كُلِّها ... ويَوْمَ لِقَاكُمْ ذَاكَ فِطرُ صِيامِي
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه