إخوتاه ..
قال يحيى بن معاذ الواعظ: طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته، والفقر منيته، والعزلة شهوته، والآخرة همته، وطلب العيش بلغته، وجعل الموت فكرته، وشغل بالزهد نيته، وأمات بالذل عزته، وجعل إلى الرب حاجته، يذكر في الخلوات خطيئته، وأرسل على الوجنة عبرته، وشكا إلى ربه غربته، وسأله بالتوبة رحمته، وطوبى لمن كان ذلك صفته، وعلى الذنوب ندامته، جئار لليل والنهار، وبكاء إلى الله بالأسحار، يناجي الرحمن، ويطلب الجنان، ويخاف النيران.
إخوتاه ..
لو رأيتم أرباب القلوب والأسرار، وقد أخذوا أهبة التعبد في الأسحار، وقاموا في مقام الخوف على قدم الاعتذر، {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
عقدوا عزم الصيام وما جاء النهار، وسجنوا الألسنة فليس فيهم مهذار، وغضوا أبصارهم ولازمٌ غَضُّ الأبصار، فانظر مدحهم إلى أين إنتهى وصار، أحزانهم أحزان ثكلى مالها اصطبار، ودموعهم لولا للتحري لقلت كالأنهار، ووجوههم من الخوف قد علاها الصفار، والقلق قد أحاط بهم ودار، {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
جَدُّوا في انطلاقهم إلى خلاَّقهم، ورضوا أنفسهم بتحسين أخلاقهم، فإذا بهم قد أذابهم كرب اشتياقهم، أتدري ما الذي حبسك عن لحاقهم: حب الدرهم والدينار.
أيقظنا الله وإياكم من هذه السَّنة ورزقنا اتباع النفوس المحسنة، وآتانا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة ووقانا عذاب النار.