تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال .. قريب .. ولم يقل: أسمع الدعاء .. إنما عجل بإجابة الدعاء: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ..
إنها آية عجيبة .. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين .. ويعيش منها المؤمن في جنابٍ رَضَىٍّ وقربى ندية، وملاذ أمين وقرار مكين.
وفي ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود، وهذه الاستجابة السريعة من الله يوجه الله تعالى عباده للاستجابة له، والإيمان به، لعل هذا يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح، فالثمرة الأخيرة من الاستجابة هي لهم كذلك، وهي الرشد والهدى والصلاح، فالله غني عن العالمين.
والرشد الذي ينشئه الإيمان وتنشئه الاستجابة لله هو الرشد المطلوب للحياة السعيدة التي ترضي الله، واستجابة الله للعباد مرجوة حين يستجيبون له وهم يرشدون، وعليهم أن يدعوه ولا يستعجلوه، فهو يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم، فسبحان من أطمع المطيع والعاصي، والداني والقاصي في الانبساط إلى حضرة جلاله برفع الحاجات والأماني بقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ..
تدل هذه الآية على تعظيم حال الدعاء من وجوه:
الأول: كأنه سبحانه وتعالى يقول: عبدي .. أنت إنما تحتاج إلى الواسطة في غير وقت الدعاء، أما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك.
الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي} يدل على أن العبد له، وقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} يدل على أن الرب للعبد.
والثالث: لم يقل: فالعبد مني قريب؛ بل قال: أنا منه قريب ..