بعيد عن حيك، لا تعرف فيه أحدًا، ولا يعرفك فيه أحد .. اذهب وامكث هناك يومًا كاملًا من العشاء للفجر، أو من الظهر إلى العشاء، انقطع تمامًا .. ليس معك تليفون، ولا جَوَّال، ولا أحد يعرفك، ولا أحد يصل إليك ويراك، وتلبس ثيابك وتجلس مسكينًا فقيرًا ذليلًا متمسكنا، تنقطع عن انشغالاتك بالدنيا وتُقبل على الله بكل قلبك.
وفرصتك لذلك التبتل في الكعبة أعظم وأفضل عندما تترك زوجتك وأولادك وعملك ومالك وأصدقاءك وزملاءك وتليفوناتك وتنقطع لعبادة الله وحده لا شريك له.
إن معنى التبتل الانقطاع، أما أن تذهب إلى هناك ومعك هواتفك وتتابع عملك من هناك .. ماذا فعلتم؟، ماذا اشتريتم؟، ماذا بعتم؟، هذا ليس معنى التبتل.
أنت قلت: لبيك لا شريك لك، فلماذا جعلت معه شركاء، لبيك يا الله. أم لبيك للمصنع؟، لبيك يا الله أم لبيك للشركة؟، هل تقول: نعم أنا معك لكن أنا أيضًا مع الناس ومع مصالحي وشهواتي وآمالي الدنيوية ... هذا لا يصح أبدًا.
الملك لا يرضى ذلك، ولا يقبله، إما هو وحده وإلا فلا ..
تبتل .. انقطع .. اترك كل شيء خلف ظهرك، حاول أن تنسى الدنيا بما فيها ومن فيها، لذلك إياك أن تتكلم وأنت هناك في التليفون كل الأيام بل اجعله للضرورة فقط كأن تطمئن على زوجتك وأولادك، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان معتكفًا وجاءت إليه السيدة صفية - رضي الله عنها - تزوره، وخرج معها فأوصلها إلى بيتها، فتعلمنا من هذا جواز السؤال للاطمئنان على الزوجة والأولاد. كل عمل بدليل إنه شرع ودين.