وبعد انقطاع وقت الاعتكاف يجتهد المعتكف قدر استطاعته ليجعل حياته الخاصة والعامة في دائرة العبادة، ولم يفطن كثيرٌ من الناس أن النية هي المحوِّل العجيب، إلا أنها لا تحوِّل الجماد إلى نوع آخر من الجماد؛ ولكنها تحول العبادة العادية التي تضمحل وتزول بمجرد الانتهاء منها إلى أعمال باقية خالدة؛ فالطعام والشراب والنكاح كل ذلك زائل ذاهب، فإذا قصد العبد به نيةً صالحة؛ كأن ينوي التقوِّي بالطعام والشراب على طاعة الله، وكأن يعف نفسه عن الزنا بالنكاح، ويطلب الولد الصالح الذي يعبد الله ويجاهد في سبيله؛ فإن هذه الأعمال تتحول إلى أعمال باقية صالحة.
وبهذا التوجه في النفس الإنسانية المسلمة تستقيم هذه النفس في حياته كلها، وإذا كثر عدد الأفراد من هذه النوعية في أي مجتمع إسلامي استقام ذلك المجتمع أيضًا.
(2) تحري ليلة القدر:
يكدح الإنسان في حياته من رمضان إلى رمضان اثني عشر شهرًا بأيامها ولياليها، {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانش قال: 6] ويبقى الإنسان المسلم في عملية أخذ وعطاء في ميدان الطاعة والمعصية، ويغفل القلب في كثيرٍ من الأحيان عن ميدان الطاعة، وتتفلت الجوارح في الخطايا، وتتكاثر الذنوب على كأهل هذا الإنسان من حيث يدري ومن حيث لا يدري، وفي واقع الإنسان المسلم الحصيف نجده مستغفرًا منيبًا إلى الله عند درايته بوقوعه في المعصية والخطأ، وهذه من سمة الإنسان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" (?). فتدوم توبة الحصيف ويضيع الكثير على الغافل.