عرشًا لمعرفة محبوبه ومحبته. وناهيك بقلبٍ هذا شأنه، فياله من قلب مِنْ ربه ما أدناه!!
فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان، وسجدت تحت العرش، وأبدانهم في فرشهم كما قال أبو الدرداء: "إذا نام العبد المؤمن عُرج بروحه حتى تسجد تحت العرش، فإن كان طاهرًا أُذن لها في السجود، وإنْ كان جُنُبًا لم يؤذن لها بالسجود" وهذا -والله أعلم- هو السر الذي لأجله أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنب إذا أراد النوم أن يتوضأ.
فإذا استيقظ هذا القلب من منامه، صعد إلى الله بهمته وحبه وأشواقه، مشتاقًا إليه، طالبًا له، محتاجًا له، عاكفًا عليه، فحاله كحال المحب الذي غاب عنه محبوبه الذي لا غنى له عنه، ولابد له منه، وضرورته إليه أعظم من ضرورته إلى النَّفَس والطعام والشراب , فإذا نام غاب عنه، فإذا استيقظ عاد إلى الحنين إليه وإلى الشوق الشديد والحب المقلق، فحبيبه آخر خطراته عند منامه وأولها عند استيقاظة كما قال بعض المحبين لمحبوبه:
وآخِرُ شيءٍ أنتَ في كُلِّ هَجْعَةٍ ... وأولُّ شيءٍ أنتَ عِنْدَ هُبُوبي
فأُفٍّ لقلبٍ لا يصلح لهذا ولا يُصَدِّق به، لقد صُرف عنه خيرُ الدنيا والآخرة.
فإذا استيقظ أحدهم، وقد بدر إلى قلبه هذا الشأن، فأول ما يجري على لسانه ذكر محبوبه والتوجه إليه، واستعطافه والتملق بين يديه، والاستعانة به أن لا يُخَلِّي بينه وبين نفسه وألا يكله إليها فيكله إلى ضعفٍ وعجز وذنبٍ وخطيئة، بل يكلأه كَلاءَةَ الوليد الذي لا يملك ضَرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نَشُورًا.
فأول ما يبدأ به: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" متدبرًا