سيظل هناك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن طالما نحن نتلوه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة، لا علاقة لها بواقع الحياة البشرية، بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوسًا ووقائع وأحداثًا حية.
آيات منزلة من حول العرش، فالأرض بهذه الآيات سماء وهذه الآيات لتلك السماء كواكب، بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم، وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها، وامتنعت عليه أعراف الضمائر فابتز أنفالها.
ضمائر العرب امتنعت عن القرآن بما استوعر فيها من العادات والأخلاق، فنفد إليها وابتزها وغلبها على أمرها ..
كم صدوا عن سبيله صدًّا، ومن ذا يدافع السيل إذا هدر؟، واعترضوه بالألسنة ردا، ولعمري من يرد على الله القدر؟
ألفاظٌ إذا اشتدت فأمواج البحر الزاخرة، وإذا لانت فأنفاس الحياة الآخرة، متى وُعِدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب.
وإن أُوعِدت بعذاب الله جعلت الألسن ترعد من حُمَّى القلوب.
معان هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان، تَرِفُّ بندى الحياة على زهرة الضمير، وتحلق في أرواحها من معاني العبرة معنى العبير ..
يجري في الخواطر كما تصعد في الشجر قطراتُ الماء.
ويتصل بالروح فكأنما يَمُدُّ لها بسبب إلى السماء ..
ألفاظٌ لم تعهد كَلْمَ أحداقِها، وثمراتٌ لم تَنْبُت في قَلَمِ أوراقها، ونورٌ عليه رونق الماء فكأنما اشتعلت به الغيوم، وماءٌ يتلألأ من النُّور فكأنما عُصِر من النجوم ..