فإن قيل: فلِمَ ضَمُّوا الأول، وكسروا الثاني؛ نحو: "ضُرِب زيد" وما أشبه ذلك؟ قيل: إنَّما ضمُّوا الأول؛ ليكون دلالة على المحذوف الذي هو الفاعل إذ 1 كان من علاماته، وإنما كسروا الثاني؛ لأنهم لَمّا حذفوا الفاعل الذي لا يجوز حذفه، أرادوا أن يصوغوه على بناء لا يشركه فيه شيء من الأبنية، فبنوه على هذه الصيغة، فكسروا الثاني؛ لأنهم لو ضمّوه؛ لكان على وزن: طُنُب2، وجُمُل3، ولو فتحوه؛ لكان على وزن: نُغَر4 وصُرَد 5، ولو أسكنوه؛ لكان على وزن: قُلْب6 وقُفْل، فلم يبق إلا الكسر؛ فحركوه به.
فإن قيل: فلِمَ كسروا أول المعتل؛ نحو: قِيلَ، وبِيعَ، ولم يَضمُّوه كالصحيح؟ قيل: كان القياس يقتضي أن يجرى المعتل مجرى الصحيح في ضم أوله، وكسر ثانية، إلا أنهم استثقلوا الكسرة على حرف العلة، فنقلوها إلى القاف، فانقلبت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، كما قلبوها في: ميعاد وميقات، وميزان؛ وأصلها: موعاد، وموقات، وموزان؛ لأنها من الوعد، والوقت، والوزن، وأمَّا الياء، فثبتت؛ لانكسار ما قبلها؛ على أنه من العرب من يشير إلى الضم تنبيهًا على أن الأصل في هذا النحو، هو الضم، ومن العرب -أيضًا- من يحذف الكسرة، ولا ينقلها، ويقرّ الواو؛ لانضمام ما قبلها، وتقلب الياء واوًا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها؛ كما قال الشاعر7: [الرجز]
ليتَ وهل ينفع شيئًا ليتُ ... ليتَ شبابًا بُوعَ فاشتريتُ