دخل عليه عامل النصب؛ لأن دخوله عليه، لم يغيِّر معنى الإخبار عنه، ولوجب ألا يدخل عليه مع بقائه، فلما جاز ذلك؛ دل على فساد ما ذهب إليه.
[علة ارتفاع المبتدأ عند الكوفيين]
وأما الكوفيون، فذهبوا إلى أنه يرتفع بالخبر1، وزعموا أنهما يترافعان، وأن كل واحد منهما يرفع الآخر، وقد بينا فساده في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين.
[علة جعل التَّعَرِّي عاملاً]
فإن قيل: فَلِمَ جعلتم التعري عاملاً، وهو عبارة عن عدم العوامل؟. قيل: لأن العوامل اللفظية، ليست مؤثرة في المعمول حقيقة، وإنما هي أمارات وعلامات فإذا ثبت أن العوامل في محل الإجماع إنما هي أمارات وعلامات؛ فالعلامة تكون بعدم الشيء، كما تكون بوجود شيء، ألا ترى أنه لو كان معك ثوبان، وأردت أن تميز أحدهما عن2 الآخر؛ لكنت تصبغ أحدهما مثلاً، وتترك صبغ الآخر، فيكون عدم الصَّبغ في أحدهما كصبغ الآخر؛ فتَبَيَّنَ3 بهذا أن العلامة تكون بعدم شيء، كما تكون بوجود شيء، وإذا ثبت هذا؛ جاز أن يكون التعري من العوامل اللفظية عاملاً.
[اختصاص المبتدأ بالرفع]
فإن قيل: فَلِمَ خص المبتدأ بالرفع دون غيره؟ قيل: لثلاثة أوجه:
أحدهما: أن المبتدأ وقع في أقوى أحواله، وهو الابتداء، فأعطِيَ أقوى الحركات، وهو الرفع.
والوجه الثاني: أن المبتدأ أول، والرفع أول، فأعطي الأوّلُ الأوّلَ.
والوجه الثالث: أن المبتدأ مُخْبَر عنه، كما أن الفاعل مخبر عنه، والفاعل مرفوع، فكذلك ما أشبهه.
فإن قيل: لماذا لا يكون المبتدأ في الأمر العام إلا معرفة؟ قيل: لأن المبتدأ مخبر عنه، والإخبار عمّا4 لا يعرف لا فائدة منه5.