كذلك، فإنه1 لو كان الأمر كما زعمتم؛ لوجب أن يختصَّ الحذف بما يكثر استعماله، دون ما لا يكثر استعماله؛ فلمّا قيل: "اقعنسس2، واحرنجم3، واعلوَطَّ"4 وما أشبه ذلك بالحذف، ولا يكثر استعماله؛ دلَّ على فساد ما ذهبوا إليه. فقولهم: إنَّ فعل النهي مُعرب مجزوم، فكذلك فعل الأمر؛ قلنا: هذا /قياس/5 فاسد؛ لأنَّ فعل النهي في أوّله حرف المضارعة الذي أوجب المشابهة بالاسم، فاستحق الإعراب، فكان معربًا، وأما فعل الأمر، فليس في أوله حرف المضارعة الذي يوجب للفعل المشابهة بالاسم، فيستحق الإعراب؛ فكان باقيًّا على أصله. وقولهم: إنه بحذف الواو والياء والألف؛ نحو: "اغزُ، ارمِ، اخشَ" كما تقول: "لم يغزُ، لم يرمِ، لم يخشَ"، فنقول: إنما حُذفت هذه الأحرف للبناء، لا للإعراب، حملاً للفعل المعتل على الفعل الصحيح؛ حملاً للفرع على الأصل، والذي يدلُّ على..... 6 صحة ما ذكرناه أن حروف الجرِّ لا تعمل /مع الحذف/7؛ فحروف الجزم أولى، وأمَّا البيت الذي أنشدوه؛ وهو قوله8:
محمدُ تفدِ نفسك كلُ نفسٍ
فقد أنكره أبو العباس المبرد، ولو سلمنا صحته؛ فنقول: قوله: "تفدِ نفسك /كل نفس/9" لم تُحذف الياء للجزم بلام مُقَدَّرة، وإنما حُذفت الياء للضرورة، واجتزاء بالكسرة عن الياء، وهو في كلامهم أكثر من أن يُحصَى، وإن سلَّمنا أن الأصل: "لِتفد" وأنه مجزوم بلام مُقدَّرة، إلا10 أنَّا نقول: إنَّما حُذفت اللام لضرورة الشعر، وما حُذِف للضَّرورة، لا يجوز أن يُجْعَل11 أصلاً