اسرار العربيه (صفحة 138)

فإن قيل: فَلِمَ1 وجب أن يكون2 الحال نكرة؟ قيل: لأن الحال جرى3 مجرى الصفة للفعل، ولهذا سماها سيبويه: نعتًا للفعل، والمراد بالفعل: المصدر الذي يدلُ الفعل عليه، وإن لم تذكره4، ألا ترى أنَّ "جاء" يدل على "مجيء" وإذا قلت: "جاء راكبًا" دل على "مجيء" موصوف بركوب، فإذا كان الحال يجري مجرى الصفة للفعل -وهو نكرة- فكذلك وصفة يجب أن يكون نكرةً، وأما قولهم: "أرسلها العراكَ5، وطلبته جهدك وطاقتك، ورجع عودَه على بدئه"6 فهي مصادر، أُقيمت مُقام الحال؛ لأن التقدير "أرسلها تعترك7، وطلبته تجتهد" و"تعترك" و"تجتهد" جملة من الفعل والفاعل في موضع الحال، كأنك قلت: "أرسلها معتركةٌ، وطلبته مجتهدًا" إلا أنه أضمر، وجعل المصدر دليلاً عليه، وهذا كثير في كلامهم. وذهب بعض النحويين إلى أن قولهم: "رجع عودَه على بدئه" منصوب؛ لأنه مفعول "رجع" لأنه يكون متعديًا، كما يكون لازمًا؛ قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} 8 فأعمل "رجع" في الكاف التي للخطاب، فقال: رَجَعَكَ/ الله/9؛ فدل على أنه يكون مُتعديًا. ومما يدلُ على أن الحال لا يجوز أن يكون معرفةً أنها لا يجوز أن تقوم مُقام الفاعل في ما لم يُسمَّ فاعله؛ لأن الفاعل قد يُضمر، فيكون معرفةً، فلو جاز أن يكون الحال معرفةً؛ لما امتنع ذلك، كما لم يمتنع في ظرف الزمان والمكان، والجار والمجرور، والمصدر على ما بينا؛ فافهمه تصب، إن شاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015