هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخبر، وكما1 أن المبتدأ، لا بد له من الخبر, والخبر لا بد له من المبتدأ، فكذلك لا بد لأحد المفعولين من الآخر.
[وجوب إعمال هذه الأفعال حال تقدمها وجواز إلغائها عند توسطها وتأخرها]
فإن قيل: فَلِمَ وجب إعمال هذه الأفعال إذا تقدمت، وجاز إلغاؤها إذا توسطت وتأخرت؟ قيل: إنما وجب إعمالها إذا تقدمت لوجهين:
أحدهما: أنها إذا تقدمت، فقد وقعت في أعلى مراتبها؛ فوجب إعمالها، ولم يجز إلغاؤها.
والثاني: أنها إذا تقدمت، دل ذلك على قوة العناية /بها/2؛ وإلغاؤها يدل على اطِّراحها، وقلة الاهتمام بها؛ فلذلك، لم يجز إلغاؤها مع التقديم؛ لأن الشيء لا يكون معنيًّا به مُطَّرحًا؛ وأما إذا توسطت أو تأخرت، فإنما جاز إلغاؤها؛ لأن هذه الأفعال لما كانت ضعيفة في العمل، وقد مر صدر الكلام على اليقين، لم يغير الكلام عما اعتمد عليه، وجعلت /في/3 تعلقها بما قبلها بمنزلة الظرف، فإذا قال: "زيد منطلق ظننت" فكأنه قال: "زيد منطلق في ظني" وكما4 أن قولك: "في ظني" لا يعمل في ما قبله، فكذلك ما نزل بمنزلته. وأما من أعملها إذا تأخرت5، فجعلها6 متقدمة في التقدير، وإن كانت متأخرة في اللفظ مجازًا وتوسعًا؛ غير أن الإعمال مع التوسط أحسن من الإعمال مع التأخر، وذلك؛ لأنها إذا توسطت، كانت متقدمة من وجه، /و/7 متأخرة من وجه؛ لأنها متأخرة عن أحد الجزأين، متقدمة على الآخر، ولا يتم أحد الجزأين إلا بصاحبه، فكانت متقدمة من وجه، ومتأخرة من وجه، فحسن إعمالها، كما حَسُنَ إلغاؤها؛ وإذا تأخرت عن الجزأين جميعًا، كانت متأخرة من كل وجه، فكان إلغاؤها أَحْسَنَ من إعمالها؛ لتأخرها، وضعف عملها؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.