لأن هذه الأفعال، وإن لم تكن مؤثرة، إلا أن لها تعلقًا بما عملت فيه، ألا ترى أن قولك: "ظننت" يدل على الظن، والظن يتعلق بمظنون؟ وكذلك سائرها؛ ثم ليس التأثير شرطًا في عمل الفعل، وإنما شرط عمله أن يكون له تعلق بالمفعول، فإذا تعلق بالمفعول، تعدّى إليه؛ سواء كان مؤثرًا، أو لم يكن مؤثرًا، ألا ترى أنك تقول: ذكرت زيدًا فيتعدَّى إلى زيد، وإن لم يكن مؤثرًا فيه، إلا أنه لَمّا كان له به تعلق عَمِل؛ لأن "ذكرت" تدل على الذكر، والذكر لا بد له من مذكور، يتعدّى1 إليه، فكذلك ههنا.
[علة تعدي أفعال الظن إلى مفعولين]
فإن قيل: فَلِمَ تعدّت إلى مفعولين؟ قيل: لأنَّها لما كانت تدخل على المبتدأ والخبر بعد استغنائها بالفاعل، وكل واحد من المبتدأ والخبر، لا بد له من الآخر، وجب أن تتعدى إليهما.
[خلافهم في جواز اقتصار هذه الأفعال على الفاعل]
فإن قيل: فهل يجوز الاقتصار فيها على الفعل والفاعل؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب البعض2 إلى أنه يجوز، واستدل عليه بالمثل السائر، وهو قولهم: "من يَسْمَع يَخَل"، فاقتصر على "يَخل" وفيه ضمير الفاعل3. وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز، واستدل على ذلك من وجهين:
أحدهما: أنَّ هذه الأفعال، تجاب بما يُجاب به القسم؛ كقوله تعالى: {وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} 4 فكما لا يجوز الاقتصار على القسم دون المقسم عليه؛ فكذلك لا يجوز الاقتصار على هذه الأفعال مع فاعليها دون مفعوليها.
والثاني: أنَّا نعلم أن العاقل لا يخلو من ظن أو علم أوشك، فإذ قلت: ظننت، أو علمت، أو حسبت، لم تكن فيه فائدة، لأنه لا يَخلو5 عن ذلك.
[عدم جواز استغناء هذه الأفعال على أحد مفعوليها وعلة ذلك]
فإن قيل: فهل يجوز الاقتصار على أحد المفعولين؟ قيل: لا يجوز؛ لأن