ثم نقول: إنما جاز تقديم خبرها على اسمها؛ لأنها أضعف من "كان" لأنها تتصرف، ويجوز تقديم خبرها عليها، وأقوى من "ما" لأنها حرف، ولا يجوز تقديم خبرها على اسمها، فجعل لها منزلة بين المنزلتين، فلم يجز تقديم خبرها عليها نفسها، لتنحطّ عن درجة "كان" وجوزوا1 تقديم خبرها على اسمها؛ لترتفع عن درجة "ما".
[امتناع استعمال ما زال مع إلا]
فإن قيل: لِمَ جاز: "ما كان زيد إلا قائمًا" ولم يجز: "ما زال زيد إلا قائمًا"؟ قيل: لأن "إلا" إذا دخلت في الكلام، أبطلت معنى النفي، فإذا قلت: ("ما كان زيد إلا قائمًا" كان التقدير فيه: "كان زيد قائمًا" وإذا قلت:) 2 "ما زال زيدًا إلا قائمًا"؛ صار التقدير: "زال زيد قائمًا" و"زال" لا تستعمل إلا بحرف النفي، فلما كان إدخال حرف الاستثناء يوجب إبطال معنى النفي، و"كان" يجوز استعمالها من غير حرف النفي، و"زال" لا يجوز استعمالها إلا بإدخال حرف3 النفي جاز: "ما كان زيد إلا قائمًا" ولم يجز "ما زال زيد إلا قائمًا"؛ وأما قول الشاعر4: [الطويل]
حَرَاجِيجُ ما تَنْفَّكُّ إلا مُنَاخَةً ... عَلَى الْخَسْفِ أو نَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرَا5
فالخير قوله: على الخسف، وتقديره: ما تنفك على الخسف إلا أن تناخ أو نرمي6 بها بلدًا قَفْرَا؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.