ومبنى الطباع وموضوع الجبلّة، على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه، وخرج من موضع ليس بمعدن له، كانت صبابة النفوس به أكثر، وكان بالشّغف منها أجدر. فسواء في إثارة التعجّب، وإخراجك إلى روعة المستغرب، وجودك الشيء من مكان ليس من أمكنته، ووجود شيء لم يوجد ولم يعرف من أصله في ذاته وصفته. ولو أنه شبّه البنفسج ببعض النبات، أو صادف له شبها في شيء من المتلوّنات، لم تجد له هذه الغرابة، ولم ينل من الحسن هذا الحظ.

وإذا ثبت هذا الأصل، وهو أنّ تصوير الشّبه بين المختلفين في الجنس، مما يحرّك قوى الاستحسان، ويثير الكامن من الاستظراف، فإن «التمثيل» أخصّ شيء بهذا الشأن، وأسبق جار في هذا الرهان، وهذا الصّنيع صناعته التي هو الإمام فيها، والبادئ لها والهادي إلى كيفيتها، وأمره في ذلك أنك إذا قصدت ذكر ظرائفه، وعدّ محاسنه في هذا المعنى، والبدع التي يخترعها بحذقه، والتأليفات التي يصل إليها برفقه، ازدحمت عليك، وغمرت جانبيك، فلم تدر أيّها تذكر، ولا عن أيّها تعبّر، كما قال: [من الرجز]

إذا أتاها طالب يستامها … تكاثرت في عينه كرامها (?)

وهل تشكّ في أنه يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين حتى يختصر لك بعد ما بين المشرق والمغرب، ويجمع ما بين المشئم والمعرق. وهو يريك للمعاني الممثّلة بالأوهام شبها في الأشخاص الماثلة، والأشباح القائمة، وينطق لك الأخرس، ويعطيك البيان من الأعجم، ويريك الحياة في الجماد، ويريك التئام عين الأضداد، فيأتيك بالحياة والموت مجموعين، والماء والنار مجتمعين، كما يقال في الممدوح هو حياة لأوليائه، موت لأعدائه، ويجعل الشيء من جهة ماء، ومن أخرى نارا، كما يقال: [من الخفيف]

أنا نار في مرتقى نظر الحا … سد، ماء جار مع الإخوان (?)

وكما يجعل الشيء حلوا مرّا، وصابا عسلا وقبيحا حسنا، كما قال: [من الخفيف]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015