من الشيء في غير جنسه وشكله، والتقاط ذلك له من غير محلّته، واجتلابه إليه من الشّقّ البعيد، بابا آخر من الظّرف واللّطف، ومذهبا من مذاهب الإحسان لا يخفى موضعه من العقل.
وأحضر شاهدا لك على هذا: أن تنظر إلى تشبيه المشاهدات بعضها ببعض، فإن التشبيهات سواء كانت عامّية مشتركة، أم خاصيّة مقصورة على قائل دون قائل تراها لا يقع بها اعتداد، ولا يكون لها موقع من السامعين، ولا تهزّ ولا تحرّك حتى يكون الشبه مقرّرا بين شيئين مختلفين في الجنس، فتشبيه العين بالنّرجس، عامّيّ مشترك معروف في أجيال الناس، جار في جميع العادات، وأنت ترى بعد ما بين العينين وبينه من حيث الجنس وتشبيه الثريّا بما شبّهت به من عنقود الكرم المنوّر، واللجام المفضّض، والوشاح المفصّل، وأشباه ذلك، خاصّيّ، والتباين بين المشبّه والمشبّه به في الجنس على ما لا يخفى.
وهكذا إذا استقريت التشبيهات، وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشدّ، كانت إلى النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحيّة أقرب. وذلك أن موضع الاستحسان، ومكان الاستظراف، والمثير للدفين من الارتياح، والمتألّف للنافر من المسرة، والمؤلّف لأطراف البهجة أنك ترى بها الشيئين مثلين متباينين، ومؤتلفين مختلفين، وترى الصورة الواحدة في السماء ولأرض، وفي خلقة الإنسان وخلال الروض، وهكذا، طرائف تنثال عليك إذا فصّلت هذه الجملة، وتتبّعت هذه اللّحمة. ولذلك تجد تشبيه البنفسج في قوله: [من البسيط]
ولازورديّة تزهو بزرقتها … بين الرّياض على حمر اليواقيت
كأنّها فوق قامات ضعفن بها … أوائل النار في أطراف كبريت (?)
أغرب وأعجب وأحقّ بالولوع وأجدر من تشبيه النرجس: «بمداهن درّ حشوهن عقيق»، لأنه أراك شبها لنبات غضّ يرفّ، وأوراق رطبة ترى الماء منها يشفّ، بلهب نار في جسم مستول عليه اليبس، وباد فيه الكلف.