اللسان من أجلهما (?)، فصارت لذلك كالماء الذي يسوغ في الحلق، والنسيم يسري في البدن، ويتخلّل المسالك اللطيفة منه، ويهدي إلى القلب روحا، ويوجد في الصدر انشراحا، ويفيد النفس نشاطا، وكالعسل الذي يلذّ طعمه، وتهشّ النفس له، ويميل الطبع إليه، ويحبّ وروده عليه، فهذا كله تأوّل، وردّ شيء إلى شيء بضرب من التلطف، وهو أدخل قليلا في حقيقة التأوّل، وأقوى حالا في الحاجة إليه، من تشبيه الحجّة بالشمس.

وأما ما تقوى فيه الحاجة إلى التأوّل حتى لا يعرف المقصود من التشبيه فيه ببديهة السماع، فنحو قول كعب الأشقريّ، وقد أوفده المهلّب على الحجّاج، فوصف له بنيه وذكر مكانهم من الفضل والبأس، فسأله في آخر القصّة قال: «فكيف كان بنو المهلب فيهم (?)؟ قال: كانوا حماة السرح نهارا، فإذا أليلوا ففرسان البيات (?)، قال:

فأيّهم كان أنجد؟ قال: كانوا كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها» (?).

فهذا كما ترى ظاهر الأمر في فقره إلى فضل الرّفق به والنظر. ألا ترى أنه لا يفهمه حقّ فهمه إلا من له ذهن ونظر يرتفع به عن طبقة العامّة؟ وليس كذلك تشبيه الحجّة بالشمس، فإنه كالمشترك البيّن الاشتراك، حتى يستوي في معرفته، اللبيب واليقظ والمضعوف المغفّل، وهكذا تشبيه الألفاظ بما ذكرت، قد تجده في كلام العامي.

فأمّا ما كان مذهبه في اللّطف مذهب قوله: «هم كالحلقة»، فلا تراه إلا في الآداب والحكم المأثورة عن الفضلاء وذوي العقول الكاملة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015