تأوّل يجري في مشابهة الخدّ للورد في الحمرة، وأنت تراها هاهنا كما تراها هناك؟
وكذلك تعلم الشّجاعة في الأسد كما تعلمها في الرجل.
ومثال الثاني: وهو أشبه الذي يحصل بضرب من التأوّل، كقولك: «هذه حجّة كالشمس في الظهور»، وقد شبّهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها، كما شبّهت فيما مضى الشيء بالشيء من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما. إلا أنك تعلم أن هذا التشبيه لا يتمّ لك إلا بتأوّل، وذلك أن تقول: حقيقة ظهور الشمس وغيرها من الأجسام أن لا يكون دونها حجاب ونحوه، مما يحول بين العين وبين رؤيتها، ولذلك يظهر الشيء لك إذا لم يكن بينك وبينه حجاب، ولا يظهر لك إذا كنت من وراء حجاب.
ثم تقول: إن الشبهة نظير الحجاب فيما يدرك بالعقول، لأنها تمنع القلب رؤية ما هي شبهة فيه، كما يمنع الحجاب العين أن ترى ما هو من ورائه. ولذلك توصف الشبهة بأنها اعترضت دون الذي يروم القلب إدراكه، ويصرف فكره للوصول إليه من صحّة حكم أو فساده. فإذا ارتفعت الشبهة وحصل العلم بمعنى الكلام الذي هو الحجّة على صحّة ما ادّعي من الحكم قيل: «هذا ظاهر كالشمس»، أي ليس هاهنا مانع عن العلم به، لا للتوقف والشكّ فيه مساغ، وأنّ المنكر له إمّا مدخول في عقله أو جاحد مباهت، ومسرف في العناد، كما أن الشمس الطالعة لا يشكّ فيها ذو بصر، ولا ينكرها إلّا من لا عذر له في إنكاره. فقد احتجت في تحصيل الشبه الذي أثبته بين الحجّة والشمس إلى مثل هذا التأوّل كما ترى.
ثم إنّ ما طريقه التأوّل يتفاوت تفاوتا شديدا، فمنه ما يقرب مأخذه ويسهل الوصول إليه، ويعطى المقادة طوعا، حتى إنه يكاد يداخل الضرب الأول الذي ليس من التأول في شيء، وهو ما ذكرته لك ومنه ما يحتاج فيه إلى قدر من التأمّل، ومنه ما يدقّ ويغمض حتى يحتاج في استخراجه إلى فضل رويّة ولطف فكرة.
فمما يشبه الذي بدأت به في قرب المأخذ وسهولة المأتى، قوله في صفة الكلام: «ألفاظه كالماء في السلاسة»، و «كالنسيم في الرّقة»، و «كالعسل في الحلاوة»، يريدون أن اللفظ لا يستغلق ولا يشتبه معناه ولا يصعب الوقوف
عليه، وليس هو بغريب وحشيّ يستكره، لكونه غير مألوف، أو ليس في حروفه تكرير وتنافر يكدّ