الذكر والذكر، لأنه ليس إذا وجد الذكر فقد وجدت الحياة، لأنك تحدّث عن الميت بأفعاله التي كانت منه في حال الحياة، فيتصوّر الذكر ولا حياة على الحقيقة، ولا يتصوّر العلم ولا حياة على الحقيقة.
وهكذا القول في الطرف الآخر، وهو تسمية من لا يعلم ميّتا. وذلك أن الموت هاهنا عبارة عن عدم العلم وانتفائه، وعدم العلم على الإطلاق، حتى لا يوجد منه شيء أصلا، وحتى لا يصحّ وجوده، يقتضي وجود الموت على الحقيقة ولا يمكن أن يقال إنّ خمول الذكر يوجب الموت على الحقيقة. فأنت إذن في هذا تنزّل الوجود منزلة العدم على وجه لا ينصرف إلى الحقيقة ولا يصير إليها،. وإنما يمثّل ويخيّل.
وأما في الضرب الأول وهو جعل من لا يعلم ميّتا ومن يعلم هو الحيّ فإنك تلاحظ الحقيقة وتشير إليها وتحطب في حبلها (?)، فاعرفه.
وأمّا قولهم في الغنيّ إذا كان بخيلا لا ينتفع بماله: «إنّ غناه فقر»، فهو في الضرب الأول أعني تنزيل الوجود منزلة العدم لتعرّى الوجود مما هو المقصود منه.
وذلك أن المال لا يراد لذاته، وإنما يراد للانتفاع به في الوجوه التي تعدّها العقلاء انتفاعا، فإذا حرم مالكه هذه الجدوى وهذه الفائدة، فملكه له وعدم الملك سواء، والغنى إذا صرف إلى المال، فلا معنى له سوى ملك الإنسان
الشيء الكثير منه، ألا تراه يذكر مع الثروة فيقال: «غنيّ مثر مكثر»؟ فإذا تبين بالعلة التي مضت أنه لا يستفيد بملكه هذا المال معنى، وأن لا طائل له فيه، فقد ثبت أن غناه والفقر سواء، لأن الفقر أن لا يملك المال الكثير. وأمّا قول اللؤماء: إن انتفاعه في اعتقاده أنّه متى شاء انتفع به، وما يجد في نفسه من عزّة الاستظهار، وأنه يهاب ويكرم من أجله، فمن أضاليل المنى، وقد يهان ويذلّ ويعذّب بسببه حتى تنزع الروح دونه.
ثم إن هذا كلام وضعه العقلاء الذين عرفوا ما الانتفاع، وهذا المخالف لا ينكر أن الانتفاع لو عدم كان ملكه الآن لمال وعدم ملكه سواء، وإنما جاء يتطلّب عذرا، ويرخي دون لؤمه سترا.
ونظير هذا أنك ترى الظالم المجترئ على الأفعال القبيحة، يدّعي لنفسه الفضيلة بأنه مديد الباع طويل اليد، وأنه قادر على أن يلجئ غيره إلى التّطامن له، ثم لا يزيده احتجاجه إلا خزيا وذلا عند الله وعند الناس، وترى المصدّق له في دعواه