كما لا يخفى وكلاهما جسم، إلا أنه لم يقصد بالتشبيه لون النبات وخضرته، ولا طعمه ولا رائحته، ولا شكله وصورته ولا ما شاكل ذلك ولا ما يسمّى طبعا كالحرارة والبرودة المنسوبتين في العادة إلى العقاقير وغيرها مما يسخّن بدن الحيوان ويبرد بحصوله فيها، ولا شيء من هذا الباب بل القصد شبه عقليّ بين المرأة الحسناء في
المنبت السوء، وبين تلك النابتة على الدّمنة، وهو حسن الظاهر في رأى العين مع فساد الباطن، وطيب الفرع مع خبث الأصل.
وكما أنهم إذا قالوا:
هو عسل إذا ياسرته … وإن عاسرته فهو صاب» (?)
كما قال: [من الرمل]
عسل الأخلاق ما ياسرته … فإذا عاسرت ذقت السّلعا (?)
فالتشبيه عقليّ، إذ ليس الغرض الحلاوة والمرارة اللتين تصفهما لك المذاقة ويحسّهما الفم واللسان، وإنما المعنى أنك تجد منه في حالة الرّضى والموافقة ما يملؤك سرورا وبهجة، حسب ما يجد ذائق العسل من لذّة الحلاوة ويهجم عليك في حالة السّخط والإباء ما يشدّد كراهتك ويكسبك كربا، ويجعلك في حال من يذوق المرّ الشديد المرارة. وهذا أظهر من أن يخفى.
ومن هذا الأصل استعارة «الشمس» للرجل تصفه بالنباهة والرّفعة والشّرف والشهرة وما شاكل ذلك من الأوصاف العقلية المحضة التي لا تلابسها إلّا بغريزة العقل، ولا تعقلها إلا بنظر القلب.
ويظهر من هاهنا (أصل آخر) وهو أنّ اللفظة الواحدة تستعار على طريقين مختلفين، ويذهب بها في القياس والتشبيه مذهبين، أحدهما يفضي إلى ما تناله العيون، والآخر يومئ إلى ما تمثّله الظنون.