وذلك أن حقيقة «الإثراء من الشيء»، كثرته عندك. ووصف الرجل بأنه كثير المجد أو قليل المروءة، كوصفه بأنه كثير العلم أو قليل المعرفة، في كونه حقيقة.
وكذلك إذا قلت: «أثرى من الشوق» أو «الحزن» كما قال: [من الخفيف]
وفي الرّكب خريب … من الغرام ومثري (?)
فهو كقولك: «كثر شوقه وحزنه وغرامه»، وإذا كان كذلك، فهو في أنه نقل إلى شيء جنسه جنس الذي هو حقيقة فيه، بمنزلة «طار»، أو أظهر أمرا منه، وكذا معنى «أعدم من المال»، أنه خلا منه، وأن المال يزول عنه فإذا أخبر أن كبده قد ذهبت عنه، فهو في حقيقة من ذهب ماله وعدمه. والعدم في المال وفي غير المال بمنزلة واحدة لا تتغيّر له فائدة، و «المعدم» موضوع لمن عدم ما يحتاج إليه، فالكبد مما يحتاج إليه، وكذلك المحبوبة، فإنما تقع هذه العبارة في نفسك موقع الغريب من حيث أن العرف جرى في «الإعدام» بأن يطلق على من عدم ما جنسه جنس المال، ويؤنّسك بما قلت، أنك لو قلت: «عدم كبده»، لم يكن مجازا، ولم تجد بينه وبين «خلا من كبده» و «زالت عنه كبده» كبير فرق. ألا تراك تقول: «الفرس عادم للطّحال» تريد: ليس له طحال، وهذا كلام لا استعارة فيه، كما أنك لو قلت:
«الطحال معدوم في الفرس» كان كذلك.
ومن اللائق بهذا الباب البيّن أمره، ما أنشده أبو العباس في الكامل من قول الشاعر: [من البسيط]
لم تلق قوما هم شرّ لإخوتهم … منّا عشيّة يجري بالدّم الوادي
تقريهم لهذميّات نقدّ بها … ما كان خاط عليهم كلّ زرّاد (?)